الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ }

قوله تعالى { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً } يعنى ظلال اوليائه ليستظل بها المريدون من حر الهجران ويأوون اليها من قهر الطغيان وشياطين الانس والجان لانهم ظلال الله فى ارضه لقوله عليه السّلام " السلطان ظل الله فى الارض " ويأوي إليه كل مظلوم { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً } اكنان الجبال قلوب اكابر المعرفة وظلال اهل السعادة من اهل المحبة يسكنون فيها المنقطعون الى الله { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } جعل العارفين سرابيل روح الانس لئلا يحترقوا بنيران القدس { وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } سرابيل المعرفة واسلحة المحبة لتدفعوا بها محاربة النفوس والشياطين ثم زاد نعمته ومنته عليهم بقوله { كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } نعمة وقايته ورعايته وقاهم من هجرانه ورعاهم بلطفه عن قهره { لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } تنقادون لامره فى العبودية وتتواضعون لربوبيته قال الاستاد جعل ايواءً لاوليائه فى ظل عنايته مثوى وقرارًا والبسهم فى سرايرهم لباسا يكفيهم به الشر والضر ضمن لباس العصمة ليحميهم به عن مخالفته ومن صدر التوفيق يحملهم به على ملازمة عبادته ومن خلة الوصلة يؤهلهم بها لقربته وصحبته وكذلك يتم نعمته عليكم اتمام النعمة ان يكون عاقبتهم محتومة بالحسنى ويكفيهم امور الدين والدنيا ويصونهم عن اتباع الهوى ويسدّدهم حتى يوثروا ما يوجب لهم من الله الرضا قال بعضهم تمام النعمة ان يرزق العبد الرضا بمحادى القضاء قال ابن عطا اتمام النعمة هو الانقطاع عن النعمة بالسّكون الى المنعم قال حمدون تمام النعمة فى الدّنيا المعرفة وفى الآخرة الروية قال ابو محمد الحريرى تمام النعمة حفظ القلب من الشرك الخفى وسلامة النفس من الرياء والسمعة ثم وصف المخالفين للطريقة المثلى بقوله { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ } يعرفون اولياء الله بالبراهين الساطعة والآيات الواضحة والفراسات الصادقة ولكن لم يعرفوهم بحقيقة المعرفة من حيث التوفيق والسعادة وينكرونهم حسدا وبغيا وعدوانا وظلما وطلبا للرياسة والجاه واكثرهم الكافرون يسترون ولاية اوليائه وآيات اصفيائه. وفى الآية توبيخ علماء السوء وقرّاء المداهنين الذين وضعوا شبكة الرياء والسمعة ليصطادوا بها الجهال ويوبخوا عندهم احباء الله لينصرفوا وجوه الناس اليهم يخونون الله والله لا يهدى كيد الخائنين يعلمون الحق وينكرونه واى شقى اشقى ممن راى منهم الف كرامة صادقة ثم يشترون بها وبانكارها رياسة الدنيا من العامة قال بعضهم يتقلبون فى نعمة ولا يوفقون لشكرها قال النصرابادى معرفة النعمة حسن ومعرفة المنعم احسن ومعرفة النعمة ربما يتولد منه الانكار ومعرفة المنعم لا يتولد منه الا صحة الاستقامة.