الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } * { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } * { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى { وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ } الارزاق منقسمة على اهل سلوك المعارف الارزاق لبعضهم طاعات ولبعضهم ارادات ولبعضهم مقامات ولبعضهم حالات ولبعضهم مكاشفات ولبعضهم مشاهدات ولبعضهم معرفة ولبعضهم محبة ولبعضهم توحيد ولبعضهم تفريد فرزق الاشباح بالحقيقة: العبودية ورزق الارواح بالحقيقة: رؤية انوار الربوبية ورزق العقول الافكار ورزق القلوب الاذكار وكلهم مشفقون على ارزاقهم غرثان الى قوتهم من الحقائق عطشان الى مشاربهم بعد سقيهم بحار القربة والمشاهدة لا يطيقون رؤية غيرهم من المريدين ان يكونوا معهم فى الشرب والطعم غيرة على احوالهم قال تعالى { فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } قال ابراهيم الخواص منهم من جعل رزقه فى الطلب ومنهم من جعل رزقه فى القناعة ومنهم من جعل رزقه فى التوكل ومنهم من جعل رزقه فى الكفاية ومنهم من جعل رزقه فى المشاهدة كما قال النبى صلى الله عليه وسلم " انى اظل عند ربى يطعمنى ويسقينى " وقال الفضيل اجل ما رزق الانسان معرفة تدله على ربه وعقله يدله على رشده ثم بين سبحانه حلاوة ذلك الرزق وطيبه وطهارته بقوله { وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } اجل طيبات الرِّزق مشاهدته ولقاؤه لانها هى الرزق بالحقيقة الذى يعيش به الارواح فى المعرفة والاشباح فى العبودية والعقول بالتفكر والقلوب بالتذكر والاسرار بادراك علم الربوبية وذلك الرزق اطيب الطيبات وهو بالحقيقة طيب لانه قديم ازلى منزه عن علل الحدثان وما دونه غير طيب بالحقيقة لانه معلول والمعلول كيف يكون طيبا وصورة الرزق الطيب ما يوافق حال العارف لا يحجبه عن صفاء الوقت حين صدر من الغيب قال المحاسبى هو الفئ والغنيمة وقال احمد بن على الحوارى الطيبات المباحات فى البوادى وقال ابن الجلا ما يفتح لك من غير طلب ولا استشراف ثم نزه بما اولاه من رزق مشاهدة ومعرفة قدس جلال وافرز وجوده من مشابهة الحدثان وامر العباد ان ينزهوه عن التشبيه والتصوير والاضداد بقوله { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ } بين قدس القدم وافرده عن شواهد الالتباس فى مقام المحبة والعشق والشوق حيث دارت الهمة فى طلب الحق فى رؤية لكون ظهوره فى لباس افعاله ليعرف العارفون مقام افراد القدم عن الحدوث ويدركوا بفهم الفهم تنزيه الصفة عن الفعل وقدس الذات عن الاوهام والاشارات والعبارات وضرب الامثال بحقيقة ذاته فانه قائم بنفسه ممتنع بذاته بالحقيقة عن درك الخليقة فكل مثل حقيقى يقع بالحقيقة فاذا تراه يقع على غير ذاته وصفاته فانه منزه عن ان يدخل جلاله تحت العبارات والاشارات او يباشر انوار ذاته وصفات لباس الحدوثية فالشاهدون يشهدون على انفسهم بالحقيقة وهو تعالى يعرف حقيقة ذاته والخلق منعزلون عن ادراك انوار صفاته وحقائق ذاته بقوله { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } لكن يجوز ضرب المثل فى طريق معرفته ومحبته والسير فى عالم ربوبيته وتسهيلا للسلوك وتيسيرا للعلم والادراك ومن لطيف الاشارات انه تعالى اعلم المحبين والعارفين الذين هم فى مقام مشاهدته بنعت الالتباس انهم اذا افترت اوقات حالاتهم وانصرم انوار وارداتهم وغابت انوار شهود الحق عنهم وبقوا فى محل الاشتياق اليه ان لا ينشئوا من انفسهم مخائيل الصورية والامثال الحدثية لما وجدوا منه ليتذكروا بها زمان الوصلة لئلا يقعوا فى محض التشبيه ويغلطوا ويعلموا مثل الحق من امثالهم كانه قال: لا تضربوا لما تجدون الامثال فانكم لا تقدرون ذلك ولكن انا اضرب الامثال لما ترون منى بالحقيقة مثلا تدركوننى بلباسه وانا قادر بذلك ولستم بذلك قادرين قال

السابقالتالي
2