الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } * { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } اى هى زينتكم بالظاهر وللعارفين فى سرجها واراحتها جمال وهو جمال الصفة الالهية يظهر فى العله بنعت عين الجمع لابصارهم فيزيد من رؤية ذلك الجمال محبتهم فى شوقهم الى الله سبحانه، وللارواح والقلوب والاسرار رغبة فى عالم الملكوت ورياض الجبروت ولاربابها رؤية جمال الحق فى تقلبها الى معارج الغيب ودرجات القرب حين صعدت باجنحة المحبة الى سرادق المملكة وحين نزلت بأوقار المعرفة وهى مطايا الملكوت تحمل اثقال اشواق المحبين الى حضرة الجبروت وتاتى برواحل اسرار الصفات الى ميادين العبودية بقوله { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ } اذا اراد سبحانه ان يفتح ابواب الغيوب لاهل القلوب يرسل على قلوبهم حوامل انوار العناية فتحمل القلوب بقوة فيض المشاهدة الى عالم الغيب وتريها اسرار عجائب الملك والملكوت وهم اصحاب الجذب والواردات بلغوا بالجذبات الى بلاد المشاهدات ولو كانوا اهل السلوك لا يبلغون اليها الا بلزوم المراقبات والمقامات ولزوم الطاعات ودليل الجذبة والعطف بغير العلة قوله { إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } فالمجذوب محمول الله بمطية فضله الى بلد مشاهدته فمن محمول بنور فعله ومن محمول بنور صفته ومن محمول بنور ذاته فمن حملوا بنور فعله يكون بلده مقام الخوف والرجاء ومحلته صدق اليقين وداره مربع الشهود ومن حمله بنور صفته تبوأ مقام المعرفة ومحلته صفو الخلة وداره دار المودة ومن حمله بنور ذاته فبلده التوحيد ومحلته الفناء وداره البقاء قال رويم المحمول على بساط الرفاهية والحامل فى مفاوز المشقة فمن حُمِل فقد كفى ومن حَمَل فقد ضيق عليه لذلك قال { لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ } بانفسكم وتدبيركم { إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ } وربما يهون على من يشاء من عبيده حتى لا يصيبه فى سيره تعب ولا نصب كذلك سير العارفين من سير الزاهدين قال ابن عطا تضعف الانفس عن حمل تلك المشاق وتقوى القلوب على ذلك حتى لا يلحقه كراهية بعد الى ان علم الى اين مقصده وبامر من قام وقصد وقال الجنيد فى هذه الآية دليل على ان مراد البلوغ الى مقصده يجب ان يكون اقل امره وقصده الجهد والاجتهاد ليوصله بركة ذلك الى مقصوده.