الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { شَاكِراً لأَنْعُمِهِ ٱجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } * { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } * { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }

قوله تعالى { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً } ان ابراهيم كان آدم الثانى خلقه الله على رؤية جمال جميع صفاته واستيلاء انوار ذاته فى ايجاده على كونه فتجلى بقدمه من حيث الذات وبالبقاء من حيث الصفات ومن الاسماء والنعوت برسم الافعال لروحه وقلبه وعقله وسره فصار موجودا بوجوده مشكاة لانواره نورا من تجليه متخلقا بخلقه موجودا بلطفه مقدسا بقدسه خليلا بخلته حبيبا بمحبته صفيا باصطفائيته ملكاً بملكه بصيرا ببصره سميعا بسمعه متكلما بكلامه عينا من عيون الحق فى العالم وشقائق من منابت لطف آدم ما اجتمع فى كل اجتمع فى وجوده مطيعا فى عبوديته حرا فى حنيفيته غير مائل - من جمال الحق - الى غيره { وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }
ليس من الله بمستنكر   ان يجمع العالم فى واحد
ثم زاد وصفه بمعرفة منعمه ونعمه لاجتبائيته بخلته وتعريفه اياه طريق محبته بقوله { شَاكِراً لأَنْعُمِهِ ٱجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } شاكرا لأنعمه حيث بذل نفسه لامره ولمراده واسلم فى ذبح ابنه والصبر فى بلائه والرضا بقضائه اجتباه فى الازل بالخلة وهداه الى المعرفة وكمّله بكمال الاستقامة والقانت الذى سكن قلبه مع الله فى مقام الانس والحنيف الذى قلبه مربوط بنعت القدس قال بعضهم { أُمَّةً } اى معلما للخير عاملا به وقيل القانت الذى لا يفتر عن الذكر والحنيف الذى لا يشوب شيئا من اعماله بشرك وقيل فى قوله ولم يك من المشركين لم يك يرى المنع والعطا والضر والنفع الا من موضع واحد قال الواسطى فى قوله شاكرا لانعمه قابلا لقضائه وقسمته قبول رضى لا قبول كراهية قال ابو عثمان الشاكر لنعمه ان لا يرى شكره الا ابتداء نعمة من الله عليه حيث اهّله لشكره واجتباه من بين خلقه وكتب عليه الهداية الى صراط مستقيم عالما ان الهداية سبقت له من الله ابتداء فضل لا باكتساب جهد وكد قيل القنوت القيام بالحق على الدوام والحنيف المستقيم فى الدين ثم وصف كرامته عليه وشرفه بقوله { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } آتيناه فى الدنيا حسنة النبوة والرسالة والخلة والمحبة والمعرفة وانه فى الاخرة لمن الشاهدين لقائه ابدا بلا حجاب فانه بوصف ما ذكرنا يصلح لقربه وجلوته ووصاله ابدا قال بعضهم اتيناه فى الدنيا المعرفة حتى صلح فى الآخرة لبساط المجاورة قال بعضهم اصلح الله قلوب المؤمنين للمعاملة واصلح قلوب الانبياء والاولياء للمجاورة والمطالعة وقال الواسطى هى الخلة لا غيرها تولى الانبياء بخلته خلقهم على ذلك جذبا منهم اليه قال الاستاد اتيناه فى الدنيا حسنة حتى كان لنا بالكلية ولم يكن لغيرنا ثم جعله اماما لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وامته بقوله { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } ملّة ابراهيم الخلة والمحبة والرضا والتسليم والسخاء والوفاء والكرم اوحى الى رسوله بمتابعته اذ اختاره بما اختار خليله واجل وافضل بدايته متابعة الخليل ونهايته انفراده فى تجريد التوحيد عن غير الحق بالحق ويقنعنى هذا التادب باداب المشايخ والتواضع للاكابر كما قال الدينورى امر الله نبيه صلى الله عليه وسلم باتباع الخليل لئلا يانف احد من الاتباع وملة ابراهيم كانت السخاء والخلق الحسن فزاد عليه النبى صلى الله عليه وسلم حتى جاد بالكونين عوضا عن الخلق فقيل له

السابقالتالي
2