الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ } * { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقُلْ إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ }

قوله تعالى { فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } الصفح الجميل ما يكون برؤية تقدير الازل بنعت شهوده مقدور الغيب بوصف السرور فى مباشرة الامر والنشاط بالرجوع الى الحق وسابق امره ومشيئته فيما جرى عليه بالواسطة من الغير فاذا كان كذلك سقط لملامته بسقوط الوسائط وحصل الرحمة على الجرم المجبور بامر التقدير الا ترى كيف اشار بتمام الآية الى سرّ ما سبق من التقدير الازلى بقوله { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } اى ما هجم عليك من ايذاء قومك هو مخلوق الخلائق وتقديره فى تربيتك وابلاغك الى مقام اولى العزم وهو عليم بما قدر وبما يكون من اتصافك بخلقه العظيم وان كان لفظه الخلاق متعلقا بمعنى الايجاد والتقدير وايضا فيه ايماء من معنى الخلق والتخلق كانه دعا حبيبه الى التخلق بخلقه فى العفو والكرم ثم واساه بانه عليم بما في قلبه من الشفقة على دينه وايضا الصفح الجميل مواساة المذنب برفع الخجل عنه ومداواة موضع آلام الندم فى قلبه روى عمرو بن دينار عن محمد بن الحنفية عن على رضوان الله عليهم فى قوله { فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } قال هو الرضا بلا عتاب وقال بعضهم صفح لا توبيخ فيه ولا حقد بعده والرجوع من الامر الى ما كان قبل ملابسة المخالفة ثم ان الله سبحانه وصف امتنانه عليه بما اعطاه من علوم الالوهية واسرار الربوبية ليزيد رغبته فى الصفح والعفو والكرم ومواساة عباده وتحمل ايذائهم بقوله { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي } فيه بيان التخلق والاتصاف بصفاته القديمة واخلاقه الكريمة اى البسناك انوار سبع الصفات من صفاتنا لتتصف بها وتتخلق بخلقها فتكون ربانيا الوهيا جبروتيا ملكوتيا جلاليا جماليا نوريا قدسيا اوليا آخرياً رحمانيا رحيميا ذاتيا صفاتيا والسبع المثانى سبع بحار الصفات القديمة فغسله فيها والبسه من انوارها كسوة الربوبية حتى تكون مرآة الله فى بلاد الله وعباده فسقاه من بحر علمه شرابات ومن بحر قدرته ومن بحر سمعه ومن بحر بصره ومن بحر كلامه ومن بحر ارادته ومن بحر حياته فصار عالما بعلمه قادرا بقدرته سميعا بسمعه بصيرا ببصره متكلما بكلامه مريدا بارادته حيا بحياته فعلم بعلمه علم ما كان وما سيكون ويقلب الاعيان فى السّماوات والارض بقدرته ويسمع حركات الخواطر بسمعه ويرى ما فى الضمائر ببصره ويتكلم بحقائق الربوبية والعبودية بكلامه ويكون ما اراد بارادته ويحيى القلوب الميتة والابدان الفانية بحياته ولكل صفة منها ثانيها من جمهور الصفات الخاصة على ازاء كل صفة منها صفة حتى يكون مثانى ومنها القدم والبقاء والجلال والجمال والرؤية والصمدية والربوبيه فالصفات الاولى مع هذه الصفات السبع المثانى فكأن من مشاهدة القدم والاتصاف به صار بنعت التجريد عن الحدثان ومن مشاهدة البقاء والاتصاف به صار متمكنا فى محل الصحو ومن مشاهدة الجلال والاتصاف به صار فى محل الهيبة مهيبا فى السماوات والارض ومن مشاهدة الجمال والاتصاف به صار عاشقا بوجه القدم وصار مرآة جمال الحق فى العالم ومن مشاهدة رؤيته والاتصاف بها صار شائقا محبا مستغرقا فى بحر الازل وصار معشوقا لقلوب الخليقة ومن مشاهدته الصمدية واتصافه بها صار صمدانيا مشربه من العندية وطعامه من المشاهدة بقوله

السابقالتالي
2 3