الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } * { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } * { إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } * { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ } * { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ } * { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } * { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } * { وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ }

قوله تعالى { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } اخبر بجلاله وعز كبريائه عن سماوات الذات وابراج الصفات وانه كشف انوارها واسرارها لنظار الارواح والعقول والقلوب لتسير فى ابراجها بقدر قوتها من قوى السعادة والتوفيق فكواكب الارواح تسرى فى ابراج الازليات والابديات ونجوم العقول تسير فى ابراج انوار العظمة والكبرياء وسيارات القلوب تسير فى برج سنا الجلال والجمال واقمار الاسرار وشموسها تسير فى بروج سبحات الذات فتحصيل الارواح من اماكنها وسيرها التوحيد والتجريد والتفريد وتحصل العقول من سيرها المعارف والكواشف وتحصل القلوب من سيرها العشق والمحبة والشوق والخوف والرجاء والقبض والبسط والعلم والخشية والانس والانبساط وتحصل الاسرار من سيرها الفناء والبقاء والسكر والصحو ولكل عارف وموحد ومحب وشائق وصادق ومخلص ومحيد من كل برج من ابراج الصفات له فظروفهم وعلم ومعرفة وكشف ومقام وعمل ونطق واشارة وعبارة وجد وحال وادب وافعال وما لا يتناهى من دانيات ثمار المشاهدات ولطائفات المكاشفات لان منابعها الصفات التى منزهة عن الحدود والعلات ومن سار فى ابراج الصفات يرى منابع الصفات وهى عيون الوهية الذات سبحان من عظم شانه وتقدست اسماؤه وصفاته وذاته عن اوهام الخليقة ومن ادراك قلوب البرية وذلك قوله بوصف تنزيهه { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } منع كشف جمال صفاتها وجلال ذاتها عن ابصار البطالين والمدعين والمبطلين الزائغين عن الحق المقبلين على الخلق هذا من اعالى دقائق الاشارات واشارة الادنى انه تعالى جعل فى سماء الارواح ابراج منورة مزينة بزينة نور الصفات والذات لسكان ارض القلوب من نظار العقول لترى العقول فى ترائيها اقمار الصفات وشموس الذات من حيث التجلى لا من حيث كينونة الحلول فتستشرف على اسرار معارف جوده ووجوده فلكل نظر منها فائدة فى القلوب من المواجيد والحالات والمعاملات والمقامات مثل الوجل والخشية والندم والرهبة والرغبة والمراقبة والمحاضرة والخطاب والشهود والوقوف باسرار العبودية والربوبية فنعت تلك القلوب بما رأت تلك العقول من ابراج سماء الارواح الوجد والهيجان والهيمان والوله والزفران والعبرات صاحبها اوتاد الارض ونقباء الاولياء واصفياء الحضرة شمائلهم انوار جود الله يظهر من وجوههم سنا وجود الله سبحان الله من هم واين ماواهم طوبى لهم ثم طوبى لهم ثم بفضله وجوده يحفظ تلك البروج من هواجسات النفوس ووساوسات الشياطين كما قال { حَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } ثم بين سبحانه ان تلك النفوس الامارة والشيطان الوسواسية تسترق من عالم سماء العقول والارواح والاسرار والقلوب اسماع هواتف الغيب من صرف الخطاب والالهام لتدعى بكلمة الغيب الدعاوى الباطلة فاتبعها شهب طوارق القهريات واحرق بنيران المحبة والاشواق ليصفى هواء المعرفة من غبار الطبيعة بقوله { إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } وايضا فيه اشارة اخرى انه تعالى بعز جوده وجده وجلاله جعل فى سماء القلوب ابراج المقامات والحالات ويجرى فيها سيارات الهمم لطلب وجدان اهله انوار الصفة فترى كل همة من برج كل مقام نورا من انوار الغيب وسرا من اسرار الغيب حتى يستشرف على مطالع الربوبية والالوهية فى كل دورة افلاك القلوب فى هواء الهوية حين تبرز شموس اسرار الذات واقمار الصفات وسيارات حقائق الازل والابد الا ترى تقلب تلك الافلاك فى ممالك ملكوت الازل كيف وصفها حبيب الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى أخلائه من الانبياء والرسل والاصفياء بقوله

السابقالتالي
2 3 4