الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }

قوله تعالى { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } فيه اشارة ان ايام القدم وايام البقاء ايام القدم اولية الاولية المنزه عن دهر الدهار والزمن والاثار كان فى كان قبل كان وكما كان فيما كان الان فعشق بنفسه على نفسه وكان عروس نفسه ولم يكن فى كان الا كان فمعنى على كان ايام قدم كان بلا عشق ملهوف ولا محب معروف ولا حيران سكران ولا عارف مكاشف ولا مؤنس مستأنس يتمتعون بجمال القدم فى القدم فيا ويلتا من وصال فائت منا وجمال غائب عنا
تذكرت ايّاما ودهرا صالحا   فبكيت حزنا فهاجت حزنى
واما ايام البقاء اخرية الاخرية بلا مرور الحدثان ولا علة الاكوان والازمان بقاء سرمدى وجمال احدى ووصال ابدى يبقى لشهود عشاقه ومطالعة جمال اهل اشواقه كانه قال ذكرهم ايام القدم ليفنوا حسرة على ما فات عنهم
على ما فات ابكى من حياتي   وايام مضت فى الترهات
وذكرهم بأيام البقا ليبقوا   من فرح وجدانها ابدا
دنا وصال الحبيب واقتربا   واطربا للوصال واطربا
وايضا اى ذكرهم ايام وصال الارواح فى عالم الافراح حيث كاشفت قناع الربوبية عن جلال وجه الصمدية لها حتى عشقت بجمالى وبقيت فى وصالى وذاقت طعم محبتى من بحر قربتى ما اطيبها وما الذها حين كلمتها بعزيز خطابى وعرفتهم حقائق جمالى فقلت الست بربكم من غاية محبتى وشوقى لها قالوا بلى من شوقى ومحبتى اين تلك الارواح حيث باعدت من مزار الوصال وايام الكشف والجمال ليتذكروا ازمان الصفاء ولطائف الوئام ليزيدوا شوقا على شوق وعشقا على عشق.
وكانت بالعراق لنا ليال   سلبناهن من ريب الزمان
جعلنا من تاريخ الليالى   وعنوان المسرة والامانى
وايضا ذكرهم سرور مشاهدتى وخوفهم عن مقاطعتى فان شانهما عظيم وخطرهما جسيم
نهايات راحات النفوس وصالها   وغايات لذات العيون لقاؤها
واشوقاه الى تلك الايام الصافية عن كدورة البشرية، واشوقاه الى ايام كشف النقاب بلا علة العتاب

قد كان لى مشرب يصفو برؤيتكم   فكدّرته يد الايام حين صفا
ثم بين سبحانه ان فوت ايام القدم رزية عظيمة لكل صبار فى الفراق وان رجاء وصول ايام البقاء سرور عظيم لكل شكور انعام المشاهدة والمعرفة بقوله { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } قال بعض المشايخ ذكرهم بايام الله وهى ما سبق لارواحهم من الصفوة وتعريفه التوحيد قبل حلولها فى الاشباح
سقيا لها ولطيبها ولحسنها وبهائها   ايام لم يلح النوى بين العصا ولحائها
ويقال ذكرهم الله بايام الله هى الأيام التى كان العبد فيها فى كتم العدم والحق يقول بقوله الازلى عبادى ولم يكن للعبد عين ولا اثر ولا للمخلوق عنه خبر حين لا وفاق بعد ولا شقاق ولا وفاء ولا جفاء ولا جهد للسابقين ولا عناء ولا ورد للمقتصدين ولا بكاء ولا ذنب للظالمين ولا التواء كان متعلق العلم متناول القدرة مقصود الحكم على الارادة ولا علم له ولا اختيار ولا زلة ولا اوزار { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } قال الاستاذ الصابر غريق المحن لكنه راض بحكمه لذيذ العيش بسره وان كان مستوجب الرحمة عند خلقه والشكور غريق المنن لكنه محجوب بشهود النعم عن استغراقه فى ظهور حقه بل هذا واقف مع صبره وهذا واقف مع شكره وكل ملازم بحده وقدره والله غالب على امره مقدس فى نفسه متعزز بجلال قدسه قال ابو الحسن الوراق فى هذه الآية فتح عليهم سبيل الشكر لئلا تغيروا بالنعم وقال عرفهم ان الوقوف مع النعمة يقطع عن المنعم.