الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } * { رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ فَي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ }

قوله تعالى { رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ } ان الله سبحانه ابتلى خليله بالبلايا العظام لنزعه عن نفسه وعن جميع الخليقة لئلا يبقى بينه وبين خليله حجاب من الحدثان فامر ان يسكن عياله فى وادى الحرم بلا زاد ولا راحلة ليصفى حال توكله واعتماده على الله وليبلغ الى كمال الخلقة فنادى ربه والهه ودعاه باسم الرب طمعًا فى تربية عياله واهله بلطف الالهية وايوائهم الى جوار الكرامة قوله تعالى { بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ } لاعتماد كلى على الله حيث ما اعتمد على شئ دونه مما تنبت الارض والبيت المحرم ما يمنع قاصديه عن كل مستانس غير الله وفيه اشارة الى تربية اهله بحقائق التوكل والرضا والتسليم ونعم التربية ذلك فاعلمنا بسنته القائمة الحنيفية السهلة السمحة الخليلية الحبيبية الاحمدية المحمدية المصطفين به صلوات الله عليهما ان العارف الصادق ينبغى له ان لا يكون بقوله على الاملاك والاسباب فى حياته وبعد وفاته لتربية عياله فانه تعالى حسبه وزاده فى تربيتهم بان يؤدّبهم باقامة الصلاة اظهارا للعبودية واخلاصا فى المعرفة وطلبا للمشاهدة ومناجاتا فى القربة بقوله { رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } ثم سأل ان يجعلهم مرائى تجلى جلاله وجماله ويجعلهم ائمة الصديقين والعاشقين بقوله { فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِيۤ إِلَيْهِمْ } تميل بوصف الارادة والمحبة لك والاقتداء بهم فى اقامة سنتك والبسهم لباس انوارك والق فى قلوب خلقك محبتهم لمحبتك { وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ } من ثمرات الطاعات المقامات الرفيعة والدرجات الشريفة وايضا من ثمرات اشجار صفاتك وثمرات حقائق ذاتك فى شهودك عليهم بوصف الكشوف والتجلى والتدلى وايضا ارزقهم الاولاد الانبياء والاولياء والصديقين وفيه اشارة دعوته لسيد المرسلين صلوات الله عليه وسلم بقولهرَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً } ولذلك قال عليه السلام " انا من دعوة ابراهيم " واى الثمرات اشهى من اصفى الاصفياء واتقى الاتقياء وافضل الاولياء وسيد الرسل والانبياء { لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } الاشارة فيه ان نعمته ومنته تهيج شكر الشاكرين ما دام معها حسن رضاه وتائيده لاهل مناه قال ابن عطا اسكنتهم واديا لا تعلق لى ولا علاقة لهم بسواك وقال بعضهم اسكنتهم حضرتك باخراجى اياهم عن حدود المعاملات والمرسومات وقال بعضهم سجلت عليهم طريق الرجوع اليك لئلا تحجزهم فى الكونين عنك شئ وقال بعضهم علمتهم بذلك طريق التوكل وترك الاعتماد على الاسباب وقال جعفر اجعل افئدة من الناس تهوى اليهم لان افئدتهم تهوى اليك وقال ابن عطا من انقطع عن الخلق بالكلية صرف الله اليه وجوه الخلق وجعل مودته فى صدورهم ومحبته فى قلوبهم وذلك دعاء الخليل لما قطع باهله عن الخلق والارفاق والاسباب عالهم قال فاجعل افئدة من الناس تهوى اليهم قال بعضهم فى قوله { وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ } ازل عن قلوبهم منازلتك واهدهم الى موافقتك وقال الواسطى سأل ثمرات القلوب وهى الحكمة وتبين الحكمة رؤية المنة والعجز عن الشكر على النعمة لذلك قال لعلهم يشكرون اى يعلمون انه لا يتهيأ لاحد ان يقوم بشكره وثمرة الحكمة تزيل الامراض عن القلوب كما ان ثمرة الاشجار تزيل امراض النفوس ثم بين سبحانه وصف مراقبة الخليل احاطة علم قدمه فكل ذرة من العرش الى الثرى وان الغيب والعلانية عنده سواء بقوله

{ رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ فَي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } اى ما نخفى من التضرع فى عبوديتك وما نعلن من ظاهر طاعتك فى شريعتك وايضا ما نخفى من اسرار معرفتك وما نظهر من عبادتك وايضا ما نخفى من سر علم المجهور وما نعلن صورة علم المعروف وايضا ما نخفى من حقائق الشوق اليك فى قلوبنا وما نعلن من غلبة مواجيدنا من العبرات والزفرات وايضا ما نخفى فى اسرارنا من علوم الغيب وغيب الغيب وسر السر وما نعلن من خير الالهام والوسواس والهواجس وايضا ما نخفى فى انفسنا من منازعة القدر بوصف خاطر النكرة فى امر المشيئة فى صورة ما نكره من انفسنا من الشكوى والتغير فى الغضب وما نعلن بجلادتنا من صورة الصبر بوصف التصبر والتشكر قال الخواص انك تعلم ما نخفى من حبك وما نعلن من شكرك وقال ابن عطا ما نخفى من الاحوال وما نعلن من الاداب قال الحسين ما نخفى من المحبة وما نعلن من الوجد.