الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ الۤمۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ }

ان الله سبحانه تجلى من فعله الخاص لفعله العام فاجاد من بين الفعلين حروفا وجعلها صادق اسرار الصفات والذات واخبار الغيب وغيب الغيب فوضع فى الالف سر الالوهيّة لنفسه وسر الانانيّة لصفوة توحيده ووضع فى اللام سرّ ازليّته لنفسه وسر لطفه فى ظهوره بوصف الازل لاهل التباسه من اهل عشقه وشوقه ووضع فى الميم سرّ محبته فى هواء ازليته لطلب الوهيته ووضع فى الراء انوار ربوبيته وجعلها مرآة لعبودية عباده فيرون منها لطائف صفائه وروح ملكوت قدسه فلما انحسرت الارواح من طلب الالوهية وجعلت الى معادن انوار الربوبية وسكنت بها رات من مرآة حرف الراء من رحمته الكافية ورأفته الشافية من كل شئ دون الله فالألف صندوق الالوهية لا ينفتح الا لاهل الأنائية فى التوحيد واللام صندوق نور الازلية ولا ينفتح الا لاهل الوله فى شوقه والميم صندوق محبته الازلية والجمال ولا ينفتح الا لاهل محبته والراء صندوق نور ربوبيته ولا ينفتح الا لسلاك عبوديته الذين مرادهم منه نفسه لا غير قال الشبلى ما من حرف من الحروف الا وهو يسبح الله بلسان ويذكره بلغة بكل لسان منها حروف ولكل حرف لسان وهو سر الله فى خلقه الذى به يقع زوائد المفهوم وزيادات الاذكار وقال حارث المحاسبى ان الله لما خلق الاحرف دعاها الى الطاعة فاجابت على حسب ما حلاها الخطاب والبسها وكانت الحروف كلها على صورة الالف الا ان الف بقيت على صورتها وحليتها التى بها ابتدئت ثم من سنة الله سبحانه ان وضع ما تكلم به من الاسرار فى لباس الحروف على رأس كل صورة واشار مما عقبيهما من القول اليها والى اسرار ما فيها بقوله { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ } اى ما اشرنا فى الحروف اسرار الكتاب وعلامات الخطاب ولم يكن معوجا معلولا بقوله { وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ } اى بيان وصدق واضح لمن له اهلية سر الكتاب ولا يفهم ما فيها من الاسرار ذو فترة غافل وذو غباوة جاهل بقوله { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } اى لا يعرفون حقائقها ثم وصف نفسه سبحانه بالقدرة القديمة من الصفات وبالحكمة الازلية من الافعال بقوله { ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } خاطب العموم بخطاب العام اى انا رافع السّماء بلا علة من العلل ونفى العمد اذ كان معلولا وخاطب الخواص بخطاب الخاص اى رفعها بغير عمد ترونها بالابصار ولكن رفعها بعمد ترونها بالبصائر حين ينكشف بوصف تجليها لها وتلك العمد القدرة القديمة الازلية الباقية وهى الصفات قامت الأكوان والحدثان بها ورؤية الصفحة حين تجلت حق كما ان رؤية الذات حق ثم بين ان قدرته شملت الملك الاعظم بقوله { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } وايضا خلق سماوات الارواح بغير عمد بانت للخلق لانها محفوفة بسلاسل انوار الازل الى عالم القدم والبقاء ثم استوى انوار تجليه على عرش القلوب { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } شمس المعرفة وقمر العلم اجراهما بين سماوات الارواح عروس الارض تزيينا لملكه كواشفها ومعارفها يجريان فى عالم العقول بانوار المشاهدة من رؤية الذات وكشف الصفات تطلع فى سماء الارواح شموس الذات وفى عروش القلوب اقمار الصفات لانتظام امور الربوبية وتفصيل حقائق العبودية بقوله { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } يدبر امر هموم المحبة ويفصل ايات المعرفة لوقوع انوار اليقين وحقائق التمكين بقوله { لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } اى بهذه الانوار تعاينون تلك الاسرار وترون بقلوبكم مشاهدة الملك الغفار قال ابن عطاء يدبر الامور بالقضاء السابق ويفصل الايات بالاحكام الظاهرة لعلكم تتيقنون ان الله يجرى عليكم هذه الاحوال ولا بد لكم من الرجوع اليه ثم وصف سبحانه عجائب الملك والملكوت وحكمته الغالبة فى مصنوعاته بقوله { وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً } بسط اراضى قلوب اوليائه ببسط نور المحبة وجعل فيها رواسى المعرفة لئلا يتزلزل بغلبات هيجان المواجيد واجرى فيها انهار علوم الحقائق وانبتت فيها انواع ازهار الحكم واشجار الفطن واثمرها بثمرات المقامات والحالات بقوله { وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } وقرن بكل مقام حالا بقوله { جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } ثم يمد عليها ظلال المشاهدة ويطلع عليها شمس العناية بدوام الكفاية بقوله { يُغْشِي ٱلْلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ } ثم وصفها ووصف اصحاب هذه القلوب الذين هم رواسى الارضين وانفاسهم اعمدة السموات ورؤيتهم مشكاة انوار الايات انهم علامات شمائله وسرج مشكاة قدرته لاهل التفكر فى الارادة والتذكر فى المحبة بقوله { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } قال بعضهم هو الذى بسط الارض وجعل فيها اوتادا من اوليائه وسادة من عبيده فاليهم الملجأ وبهم الغياث فمن ضرب فى الارض بقصدهم فاز ونجا ومن كان سعيه لغيرهم خاب قال الجريرى كان فى جوار الجنيد انسان مصاب فى خربة فلما مات الجنيد وحملنا جنازته حضر الجنازة فلما رجعنا تقدم خطوات وعلا موضعا عاليا من الارض واستقبلنى بوجهه وقال يا ابا محمد ترانى ارجع الى تلك الخربة وقد فقدت ذلك السيد ثم انشد بقوله

السابقالتالي
2 3 4