الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } * { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ } * { وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ } * { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ } * { سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } * { وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } * { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ }

قوله تعالى { أَفَمَن يَّعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } اشار سبحانه الى قلوب اوليائه الذين يسمعون باسماع ارواحهم وقلوبهم وعقولهم واسرارهم كلام الحق سبحانه من الحق بلا واسطة فيعرفون مكان نزول القرآن على سيد المرسلين وامام المتقين صلوات الله عليه من الله سبحانه بمكان سماعهم كلام الحق من الحق ويعلمون صدقه فى رسالته بما شاهدوه من براهين صفات القدم ليسوا بمقلدين من حيث طباعهم وايمانهم الفطرى انما هو صفة اهل الظاهر من اهل التقليد الذين سماهم العوام بانتسابهم الى العمى ولا يعلم حقيقة ذلك الا اهل النهى من العارفين بقوله { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } قال الساوى من استدل عليك بربه ليس كمن يستدل بك على ربه وليس من تحقق بما انزل اليك من جهة الحق كمن يحققه من جهتك وليس من شاهد جريان الاشياء فى الازل كمن شاهده فى وقت ظهوره وقال الاستاذ اى لا يستوى البصير والضرير والمقبول بالوصلة والمردود بالحجبة والمؤهل للتقريب والمعرض للتعذيب ثم وصف العلماء بالله القائمين بشرط الوفاء مع عهد الازل بقوله { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ } عهد الله مع الصديقين ما عاهد ارواحهم فى مشاهدة الاولية حيث عشقها بجمال وجهه فوفوا ميثاق العشق بالعشق والعجب كيف يطيق العاشق ان ينقض عهد معشوقه وعشقه صار روحه ومن يطيق ان يفارق روحه فوفاؤهم معه لزومهم على جناب عزته بنعت الفناء فى عبوديته قال بعضهم الموفون بعهدهم القائمون له على شروط العبودية من اتباع الامر والنهى قال ابن عطاء { وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ } الاول فى وقت يلى ان لازب لهم غيره فلا يخافون غيره ولا يرجون سواه ولا يسكنون الا اليه ثم زاد سبحانه فى وصفهم بوصولهم مراده منهم فى طاعته بقوله { وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ } اى الذين يصلون باسرارهم مشاهدته وقربته ويخشونه به حيث وقعوا بقلوبهم فى بحر اجلاله ويخافون من عتابه ودقائقه معهم فى تغيير اياهم فى حركات ضمائرهم بان يميل الى غيره وقال ابن عطاء الذين يديمون على شكر النعمة ومعرفة منة المنعم لدوام النعمة اليهم وايصالها لهم قال بعضهم هم المتحابون فى ذات الله قال الواسطى الخشية منه حقيقة الخوف منه ومن غيره قال { وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ } وقال بعضهم الخشية مراقبة القلب ان لا يطالع فى حال من احواله غير الحق فيمقته قال ابن عطاء الخشية مرابع القلب والخوف ادب النفس وسئل ابو العباس بن عطا عن الفرق بين الخوف والخشية قال الخشية من السقوط عن الدّرجات الزلف والخوف من اللحوق بدركات المقت وقال بعضهم الخشية ادق والخوف اصلب وقال الاستاذ الوفاء بالعهد باستدامة العرفان وبشرائط الاحسان والتقى من ارتكاب العصيان ولى خاطر فى الفرق بين الخشية والخوف ان الخشية مكان العلم والمعرفة بالله بنعت اجلال جلاله وثمرته القيام والخوف مكان محبته المقرونة بعبوديته وثمرته الوفاء بواجب المحبة بنعت اضطراب الخاطر من حزن فراقه ثم زاد الله وصف القوم بالصبر فى بلائه لاجل لقائه بقوله { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ } صبروا عما دون الله بالله لله ولكشف لقائه والنظر الى وجهه وايضا صبروا فى الله فيما ورد عليهم من اثقال موارد اسراره كتمانا بها لعظم احاطة انوار ازليته على قلوبهم طمعا لوصولهم اى ادراك كل الكل قال ابو عثمان صبروا عن المناهى اجمع لا لخوف الناس بسبب النهى وحرمة عظمة الله وقال بعضهم هذا مقام المريدين امروا ان يصبروا على ارادتهم وعلى ما يلحقهم من الميثاق ولا يطلبوا الرفاهية ولا يرجعوا اليها ويكون ذلك ابتغاء الحقيقة بصحيح الارادة ثم زاد فى وصفهم باقامة الصلاة وانفاق اموالهم بقوله { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } راقبوا الله وشاهدوه بتقديس الانفاس ويبذلون وجودهم ظاهرا وباطنا لله وفى الله ثم زاد وصفهم بقوله { وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ } يدفعون بحسنة مشاهدته ولذة محبته ولذيذ شوقه سيئة معارضة النفس ومتابعة الهوى قال الاستاذ يعاشرون الناس بحسن الخلق ويبذلون الانصاف ولا يطلبون الانتصاف ان غلبهم احد بالجفاء قابلوه بالوفاء وان اذنب عليهم قوم اعتذروا عنهم وان مرضوا عادوا غيرهم كما قيل

السابقالتالي
2 3