الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ }

قوله تعالى { ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً } الحكمة فى ارسال القميص انه علم ان يعقوب لا يحتمل الوصال الكل بالبديهة فجعل وصاله بالتدريج لئلا يهلك فى أول الملاقات من فرح الوجدان فارسل القميص ليقويه بريحه وطيب روحه ولان عينى يعقوب ابيضتا لم تكونا اعميتا انما ضعف نورهما فارسل القميص لذهاب بياضهما فانه لو يشم يوسف بعينه احترق بقية نورهما من فورة الهيجان فخاف على عينيه وايضا ان قميص يوسف كان من نسج الجنة فراى يوسف غيرة الحق فارسل القميص اليه ليشم اولا رائحة بساط القرب وايضا كان قميص يوسف علامة بينه وبين ابيه فاشار اليه بالقميص اى اذا كان بالقميص بالسلامة من حرق الذنب فانا ايضا بالسلامة وعن على بن موسى الرضا عن ابيه عن جعفر قال كان المراد فى القميص انه اتاه الهم من قبل القميص بقولهوَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } فاحب ان يدخل السرور من جهته التى دخل الهم بها عليه ويقال كان العمى فى العين فامر بالقاء القميص عليه ليجد الشفاء من العمى ويقال لما كان البكاء بالعين التى فى الوجه كان الشفاء فى اللقاء للعين التى فى الوجه وفى معناه انشد
وما بات مطويا على اريحته   بعقب النوى الا فتى ظل مغرما
قوله تعالى { وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ } كان كرم يوسف يقتضى ان يذهب الى ابيه ولم يستحضره ولكن ابى العشق الا ان يزيد البلاء على العاشق ومن يرى معشوقا فى الكونين رحيما بعاشقه فان اقتضى الظاهر الادب غلب العشق على الرسوم حتى يزيد عشقه على عشقه وشوقه على شوقه ويرى يوسف فتوته فآثر اجر السعى على ابيه كان سخا بدينه لا بدنياه وذلك من عزة ابيه عنده وشارك لاهل لانهم ايضا قاسوا مقاساة الفراق اراد ان يشتركوا فى الفرح ويقال علم يوسف ان يعقوب لا يطيق القيام بكفاية امر يوسف فاستحضره ابقاء على حاله لا اذلالا بقدره وما عليه من اجلاله.