الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ } * { قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } * { قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ } * { قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ }

قوله تعالى { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ } اما قوله يا ايها العزيز اى ايها الملتبس بانوار الربوبية التى كسبت فى الازل ظاهرا وباطنا ايها الممتنع من ان يراك احد بالشهوة وايها الغالب على سلب قلوب الخلائق بالجمال والجلال مسنا واهلنا ضر فراقك وبعد وصالك نحن فى ضر جنايتنا محجوبون عن جمالك وابوك واهاليك فى ضر البعاد عن رؤيتك ووصالك وانشد
كفى حزنا بالواله الصب ان يرى   منازل من يهوى معطلة قفرا
مسنا واهلنا الضر من تغيير الله ايانا فى حقك وعتابه فيما فعلنا وايضا مسنا ضر الخجالة بين يديك وجئنا ببضاعة مزجاة بعذر من جنايتنا ما لا يليق بما فعلنا بك بكيل عفوك وتصدق علينا بالتجاوز عما فعلنا فان الله يجزى المتصدقين بانه يعافيك عما هممت به وبان يكرمك احسن الاكرام من لطيف الانعام وما احسن افتقار الفقراء المبتدين عند اكابر القوم وتواضعهم بين ايديهم وتسميتهم باسماء التعظيم كما فعل بنو اسرائيل عند يوسف باءوا بذكر المقاساة والفقر حين رأوا بساطا بسيطا عن ملكه وسلطانه ثم ذكروا قلة بضاعتهم حين شاهدوا هيبة يوسف ومهابته وجلال قدره فلما انبسط اليهم انبسطوا اليه وقالوا { فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ } فلما طالعوا ان بضاعتهم لا يليق بمثل بساطه نسوه وقالوا { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ } فان ما معنا لا يليق بعرض بيعك وشراك فان جزاءك بلا علة وحديث البضاعة والفقر علة طلب الوصال ورؤية الجمال والغرض الكلى ذلك لانهم مامورون بطلب يوسف الا ترى الى قولهفَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ } عرضهم رؤيته ومشاهدته وانشد فى معناه
وما الفقر من ارض العشير ساقنا   ولكننا جئنا بلقياك نسعد
هذا يكون من قبل المخلوق فكيف يكون اذا دخلوا عشاق جمال القدم فى بساط الكرم أيش قالوا الا ما قال اخوه يوسف { مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ } مسنا من ضر فراقك والبعد من وصالك ما يحتملها الصم الصلاب
خليلى ما القاه فى الحب ان ندم   على صخرة ملساء يتعلق الصحن
ويقولون جئنا ببضاعة مزجاة من اعمال مغلولة وافعال مغشوشة نفسانية حدثانية ومعرفة قليلة عاجزة عن ادراك ذرة من انوار عظمتك وكل هذا لا يليق بعزتك وجلال صمديتك فاوف لنا كيل قربك ووصالك من بحار فضلك وجودك وتصدق علينا اعطنا من نعم مشاهدتك التى لا تعطيها احداً الا بتفضلك بغير الاعواض بقولكلِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } قيل فى هذه الاية تعليم اداب الدعاء والرجوع الى الاكابر ومخاطبة السادات فمن لم يرجع الى باب سيده بالذلة والافتقار وتذليل النفس وتصغير ما يبدو منها ويرى ان ما من سيده اليه على طريق الصدقة والفضل لا على طريق الاستحقاق كان متعمدا مطرودا قال ابو سعيد القرشى فى قوله { مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ } اى مسنا الضر فى ارتكاب المعاصى وبما اجتمع علينا من الجنايات والمخالفات وجئنا ببضاعة مزجاة بانفس قاصره عن الخدمة واعمال لا تصلح لبساط المشاهدة والنشر فاوف لنا الكيل اى فعد علينا بما لم نزل نعرفه من فضلك واحسانك وتصدق علينا اجعلنا منك بمحل الفقراء اليك الذين يستوجبون الصدقة منك تفضلا وان لم يكن منهم فالحقنا بهم وقال سهل فى قوله { يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ } اى ايها المغلوب فى نفسه كما قال

السابقالتالي
2