قوله تعالى { ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ ٱلْخَائِنِينَ } اخبر الله سبحانه ان يوسف لما دعى من السجن لم يبادر سريعا الى الخروج حتى تفحص شان النسوة وزليخا حين قالت لسيدها{ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا } بقوله{ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } انظر كيف كان ادبه عليه السلام حيث لم يذكر زليخا وذكر النسوة وغرضه فى ذلك زليخا ولكن اخرج نفسه من محل التهمة باللطف والرمز فيه كانه قال للرسول ما بال بالنسوة اللاتى قطعن ايديهن فى وجهى واستغراقهن فى حبى كانه تكلم من ألم سره لا من الام سرهن وفيه ما فيه من لطائف الاشارات وغرضه من تفحص اثبات الحجة على قومه وبيان طهارته من علة الزنا حتى لا يشوش اعتقادهم فى شان نبوته ورسالته لا انه ينظر الى الخلق وجاههم فانه كان فى محل التمكين من التوكل والرضا فقوله { ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } مظنة هذه المعانى لم اخنه فى غيبته بنظر السوء الى اهله وايضا لم اخنه فى غيب خاطرى بميل سرى الى غير الله وكيف احزن وهو تعالى لا يهدى الخائن الى مراده لان من خان لا يظفر بما يريد ولا يهدى من طبعه الخيانة الى محبته ومعرفته ومشاهدته قال ابن عطاء لم أخفره فيما يتمنى من الاهل والمال وقال سهل لم انقض له عهداً ولم اكشف له سراً وقال الاستاذ فى قوله { لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } بيان الشكر لما عصمت الله ولما قال انى لم اخنه بالغيب عارضه لسان الحق فى السر فيما هم بقوله{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } وقال اهل التفسير لما قال يوسف هذه المقالة قال له جبرئيل ولا حين همت بها فلما سمع يوسف اصوات الغيب بتغيير سره ادرك ما فاته من غيبته عن مراعاة النفس ولزم لسانها بالدعاوى واعتذر بقوله { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ } مقالة الاولى من يوسف خبر عن بدايته فى وقوعه فى البلاء وهناك جبلته النبوة المقدسة عن التهمة وما جرت فى البين هو لطيفة الله من قهره وامتحانه وغلبة قدره السابق على رسوم الامر وما ذكر فى العذر خبر من تلك اللطيفة وافهم ان سر قوله { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ } ان هذه النفس ليست لشيطان ولا قلب ولا ملك ولا عقل ولا شئ له اعين يتبين لاحد فبعضهم يسمى النفس الهوي وبعضهم يسمى النفس الطبيعة والبشرية وميلها الى الشهوة يسمى النفس وهذه الاقوال هى صورة رسوم العلم وحقيقتها والله اعلم انها هى وجود قهر القدم يظهر فغلبته فى الفعل ويحرك طباع الانسانية المستعدة المخلوقة لقبول ما يصدر من القهريات مما يؤول اواخره الى سخط الله وامتحانه وحجابه فالقوم حكموا بما صدر من القهر انه نفس وانا ارجع الى الاصل لان القهر صفة دائمة ازلية محركة طباع البشر الى طلب الشهوات ولا يطيق احد ان يخرج من تحته الا بلطف الله بقوله { إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ } لانه صفة غالبة على جميع الذرات وهو صفة الله سبحانه وهو نفس النفس لان ذاته تعالى موصوف بصفة القهر وان قهره حار جميع الحدثان تحت غلبته ومن يدعى ان يبعد نفسه من سلطان قهره بقوله { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ } اى ما ابرئ نفسى من غلبة قهر الله عليها وانها مقهورة بين يديه وايضا ما ابرئ نفس النفس عن القهر والغلبة فان نفس النفس امارة الى ما يقتضى القهر وما يقتضى القهر يقتضى الامتحان وما يقتضى الامتحان يقتضى الملامة فى رسوم العلم وقوله { إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ } اى الا من عصمه الحق بلطفه عن قهره واشار بهذا الى وجوده حين عصمت بلطفه عن قهره وقوله { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ } اثبات ما جرى من الهمة اى ما ابرئ نفسى من الهمة التى همت بها وهذا محل من عرف سر القهر وسر الخطاب وسر الامتحان وسر النفس وغلبة الربوبية بقوله عليه السلام