الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ }

قوله تعالى { وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } كانت مستغرقة فى العشق الروحانى فغلب عليها شهوة العشق فراودته وذلك ان رعونة سر الطبيعة صارت منجذبة برقة عشق الروحانى الى معدنه فغلطت وصارت محجوبة بالطبيعة من الحقيقة وغلقت الابواب لما كان عشق يوسف فى قلبها وصورته مصورة فى خيالها لا يحتاج الى غلق الابواب فان قيد همتها حكمة همت يوسف حين همت به وهم بها اغلقت ابواب اسرار عشقها على يوسف فصارت فاشية بان العشق لا يبقى التكمان
الا فاسقنى خمرا وقل لى هى الخمر   ولا تسقنى سرا اذا امكن الجهر
وبخ بانتم من اهوى ودعنى من الكنى   فلا خير فى اللذات من دونها ستر
وايضا عارث على يوسف حتى لا يرى احدا اسرارها فغلقت الابواب كذا ينبغى للعاشق قال الشبلى فى قوله وغلقت الابواب قطعت الاسباب وجمعة الهمة عليه ثم غلب على يوسف قدس النبوة فامتنع من مراودتها بقوله { قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ } اى ربى سبحانه وتعالى احسن مثواى فى الاصطفائية الازلية واختارنى بالرسالة والنبوة وعلمنى من تأويل الاحاديث والبسنى لباس جماله الذى هو يوجب ان ينظر اليها بنعت الهيبة والاجلال هذا سيد السادات وسيد الظاهر احسن مثواى بان اختارنى لاخرته لا لدنياه واحسن مثواه فى قلبك بنعت محبة الله فلا ينبغى لك ان ينظر إلي الا بمحبة الله قيل لما نظر فى ترك المعصية الى صاحبه وولى نعمته الادنى ولم ينظر الى ربه وولى نعمته الاعلى عوقب بالهم حتى قال همت به وهم بها وقال بعضهم برؤية الهمة امتنع من الفتنة قال الاستاذ انه اكرمنى مولاى تعالى حيث خلفنى من والحب جعل فى قلب العزيز لى محلا فقال اكرمى مثواه فقال لا ينبغى ان اقدم على عصيانه وقد افردنى بجميل احسانه ثم اخبر سبحانه عن جذب مقناطيس الهمم بعضها بعضا من سر حقيقة العشق الالهى والروحانى والانسانى والطبيعى والفطرى والجوهرى التى معادنها من عالم الربوبية افعالا وصفات وذاتا بقوله { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } خالص الحقيقة فى هذا المعنى فى تلك الهمتين ان همة زليخا سبقت على همة يوسف وحسن يوسف سبق بجذب قلب زليخا وهمتها الى معدنه لان عشق زليخا وحسن يوسف صفتان صادرتان من المعدنين الازليين وهما صفة جمال القدم ومحبة الازل فلما هاجت همة زليخا بعد انجذاب قلبها الى معدن عشق يوسف وحسن يوسف هاجت ايضا همة يوسف الى اهلية عشقها وحسنها وهمتها فصارت الهمتان بعضها من بعض فهاج همة الجوهر الى الجوهر والفطرة الى الفطرة والطبيعة الى الطبيعة والانسانية الى الانسانية والروحانى الى الروحانى والالهى الى الالهى فصارت جميعها بوصف الهمتين متحيرة حتى صار شخصهما وسوادهما وخيالهما وعقلهما وقلبهما وروحهما وسرهما واحدا فى واحد كما قال الشاعر

السابقالتالي
2