الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } * { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ }

قوله تعالى { وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ } فلما خرجت الارواح من اماكن العدم وطارت فى هواء القدرة وطلبت انوار موارد القدم فوجدت قاموس الكبرياء فادلت دلاء الهمم فيها فانكشف لها من مطالع الازل شموس المشاهدة وأقمارالعزة فلما ظفرت بموارد الحقيقة صاحت بصياح العشق وقالت يا بشرى هذا شاهد القدم وعروس الازل فوجدت شاهدها وفرحت بمشاهدته وطارت سكرانة فى هواء ازاله واباده من الفرح ببقاء لانها وجدت بضاعة المعارف وريح الكواشف قوله تعالى { وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً } جعلت انوار جلاله فى صميم اسرارها وسترها عن الاغيار وجعلها بضاعة التوحيد والمعرفة والمحبة ليريح بها مداناة الوصال والاستئناس بالجمال يا ليت لسيادة يوسف لو عرفت ما فى وجه يوسف من تلألؤ انوار حسن الازل لسجدت له كما سجدت الملائكة لآدم لا للعبودية ولكن للعشق والمحبة لانه كان شاهد الله فى شاهد الله قال جعفر كان لله تعالى فى يوسف سر فغطى عليهم موضع سره ولو كشف لهم عن حقيقة ما اودع فيه لماتوا لا تراهم كيف قالوا هذا غلام ولو عجلوا اثار القدرة فيه لقالوا هذا نبى وصديق ولما كشف للنسوة بعض الامر قلنمَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } ولما لم يعرفوه بخاصية النبوة والولاية ولم يروا عليه اثار جمال الله سبحانه باعوه بثمن بخس لجهلهم به وبما فيه من ودائع كنوز القدرة وانوار المشاهدة والعلوم اللدنية الغيبية بقوله { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } لو كان فيهم ما كان فى يعقوب من عشق الله ومحبته وما راى فى مرآة وجهه من انوار قدرة البارى سبحانه ما باعوه بالكونين والعالمين لان ما فى وجه يوسف من جمال الظاهر لم يكن فى الكونين الا فى امثاله من الانبياء والصديقين وجمال ظاهره كان من جمال باطنه ولو اطلعوا على جمال باطنه لوقعوا بين يديه صرعى من سكر محبته ولراوا عجائب الملكوت والجبروت فى ظاهره وباطنه قال جعفر باعوا بالبخس من الثمن لجهلهم بما اودع الله فيه من لطائف العلوم وبدائع الآيات قال ابن عطاء ليس ما باع اخوه يوسف من نفس لا تقع عليها البيع باعجب من بيعك نفسك بادنى شهوة بعد ان بعتها من ربك بأوفر الثمن قال اللهإِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ } فبيع ما قد تقدم بيعه باطل وانما باع يوسف اعداؤه الذين كانوا يعادونه وأنت تبيع نفسك من اعدائك وهى شهواتك وهواك واعدى عدوك نفسك التى بين جنبيك وقال الجنيد انما باعوه بذلك الثمن حيث لم يتفرسوا فيه ما كان به لانه لم يكن وضع لهم فى جنبه حظ الا ترى الى الذى اشتراه لما كان له فى يوسف حظ كيف قال { أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ } فصدق فيه فراسته ونال به الهداية وقال ابن عطاء لو جعلوا ثمنه الكونين لكان نجس فى مشاهدته وما خص به قال الجنيد كل ما وقع تحت العدد والاحصاء فهو نجس ولو كان الكونين فلا يكن حظك النجس وهو كل شئ دونه ولما لم يعرفوا مكانته وباعوه اشتراه من راه بعين الحقيقة واعد مبوأ جلاله وقدره فى اخص موضع فى العالم وهو مكان المحبة والعشق بقوله { أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ } اشتراه بالدنيا للاخرة معرفة بجلاله وجماله وقال لامراته اكرمى مثواه اى لا تنظرى اليه بنظر الشهوة فان وجهه مرآة تجلى الحق فى العالم واين طور سيناء فى مكانته من وجه يوسف وتجلى الحق من طور سيناء لموسى وتجلى الحق من وجه آدم للملائكة وتجلى الحق من وجه يوسف لاجرام الملكوت وسلاطين معارف الجبروت وليعقوب وامثاله من انظار الغيب الا ترى كيف قال سبحانه

السابقالتالي
2 3