الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } * { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } * { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }

{ مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } الوسوسة مراتب الاولى هواجس النفس الامارة والثانية وسوسة الشيطان والثالثة وسوسة جنود القهريات وموضع هذه الوساوس الصدر لان القلب موضع العقل والروح اللطيفة والتجلى والخطاب والمشاهدة وهو مصون برعاية الحق فاما وسوسة النفس فيكون فى طلب الشهوات والحظوظ وأما وسوسة الشيطان فيكون فى الكفر والطغيان والبدع وأما وسوسة القهر فبذر وسوسة النفس والشيطان ألقاه الحق فى أرض الصدور لامتحان عباده وغيره الأزل منعهم بهذه الوساوس عن مشاهدة الكل فإذا أراد بلطفه وصولهم إليه عظمّه فيهبّ في صحارى قلوبهم شمال جماله فيكشف عن قلوبهم وصدورهم عن الوساوس وظلمة النفس ذلك قوله { ٱلْخَنَّاسِ * ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ * مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } ثم بين أن الوسوسة تاتى من الشيطان تارة بارزة واسعة، وهو ان يوسوس فى صدره من غلبة نور التوفيق والمشاهدة وظهارة الكفر وصفاء الذكر وعار عليه فى مقامه غراه بعض شياطين الانس ويدعوه بلسانه الى بعض الشهوات او البدع والاهواء فيوقعه الى الحجاب فامر الله حيبيه ان يستعيذ به من وسوسة شياطين الانس والجن الذى وصفهم الله بقوله شياطين الانس والجن يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا واحذر يا صاحبى من هذه الوساوس واعرف شانها واصلها وفرعها فان الوساوس تاتيك فى جميع المقامات وفى بعض المواجيد والاحوال فينبغى ان تعرف مكائده واسلحته ومواقعه ووساوسه واستعن بالله فى جوابه وعلاجه حتى تبلغ إلى مقام مشاهدة الخلق بالحق ويفنى عنك بشريتك واوصافها ويكون نورا بنوره مقدسا بقدسه عن كل خاطر وعارض فان عرفت حقيقة ما ذكرتك فصرت اماما للمتقدين وسراجا للمتقبسين قال عمر المكي الوساوس من وجهين من النفس والعدو فوساوس النفس المعاصى الذى يوسوس فيها العدو كلها غير طبعي فان النفس لا يوسوس بهما احدهما التشكيك والآخر بقول على الله بغير علم قال الله فى وصف الشيطان إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وان تقولوا على الله ما لا تعلمون وقال يحيى بن معاذ الوسوسة بذر الشيطان فان لم يقصد ارضا وماء ضاع بذره وان اعطيته الارض والماء بذر فيها فسئل ما الارض والماء اشبع ارضه والنوم مائه وقال يحيى انما هو جسم وروح وقلب وصدر وشغاف وفواد فالجسم بحر الشهوات قال الله ان النفس لأمارة بالسوء والروح بحر المناجاة والصدر بحر الوساوس قال الله تعالى الذى يوسوس فى صدور الناس والشغاف بحر المحبة قال الله تعالى قد شغفها حباً والفواد بحر الرؤية قال الله تعالى ما كذب الفؤاد ما راى وتقلب بحر العمل وقال سهل الوسوسة ذكر الطبع وقال اذا كان القلب مشغولاً بالله لم يصل اليه الوسواس بحال وقال عبد العزيز المكى يوسوس فى فواد العامة وقلوب الخواص لو دنا منها إبليس لاحترق صدق الشيخ فيما قال ولكن فى سر السر وغيب الغيب ونور النور وسنا السنا ولطف اللطف وشهود الشهود ودنو الدنو ووصال الوصال وبقاء البقاء وعيان العيان يكون قلوب العارفين والموحدين والمحبين والمريدين والمؤمنين فى قبض العزة منقلبة بين اصابع الصفة التى هى انوار ازال الازال واباد الاباد طالبة يوصل الوصل وعرفان العرفان وحقيقة الحقيقة كالفراش حول الشمع كمال شوقها الاحتراق بنيرانه كذلك قلوبهم محترقة هناك بنيران الكبرياء فانية فى سطوات الجلال باقية بسبحات الجمال مصونة عن ذل الحجاب محروسة عن طريان العذاب كيف يخللها قتام الوسواس فهواجس النفس وحديث الناس سبحان من صفاهم بصفاته عن كل كدور وبراهم بقدسه عن كل علة الوسواس فى الصدور والقلوب وفى الحضور والنور والسرور كيف يصل حركات الانسانية الى من استغرق فى بحار الوحدانية لا باس بان طوى على الصدور وسواس وهواجس من محل الامتحان فان الارواح فى يمين الرحمن والقلوب بين أصبعين من اصابع الرحمن والحمد لله الذى رد امره الى الوسوسة الا ترى كيف شكا عنه خواص الصحابة الى حبيب الله وصفيه صلوات الله وسلامه عليه فقالوا انا نجد فى انفسنا ما يتعاظم احدنا ان نتكلم به فقال " او قد وجدتموه " قالوا نعم قال " ذلك صريح الايمان " وقال ابو عمرو والبخارى اصل الوسوسة نتيجتها من عشرة اشياء اولها الحرص فقاتله بالتوكل والقناعة والثانية الامل فاكسره بمناجاة الاجل والثالثة التمتع بشهوات الدنيا فقاتله بزوال النعمة وطول الحساب والرابعة الحسد فاكسره برؤية العدل والخامسة البلاء فاكسره برؤية المنة والعوافى والسادسة الكبر فاكسره بالتواضع والسابعة الاستخفاف بحرمة المؤمنين فاكسره بتعظيم حرمتهم والثامنة حب الدنيا والمحمدة من الناس فاكسره بالاخلاص والتاسعة طلب العلو والرفعة فاكسره بالخشوع والعاشرة المنع والبخل فاكسره بالجود والسخاء والحمد لله حمداً لا انقطاع له ولا انتهاء والصلاة والسلام على سيد الرسل وخاتم الانبياء وعلى آله وصحبه وسائر الاولياء ما دامت الارض والسماء.