الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ }

قوله تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ } امنوا اى ايقنوا مواعيد الغيب بنعت رؤيتها وعملوا الصالحات بذلوا مهجهم للوصول الى قرب الحق وزكوا سرائرهم بصفاء الذكر وجولان الفكر واخبتوا الى ربهم فنوا تحت انوار سلطان كبريائه حين عاينوها بابصار اسرارهم اولئك اصحاب مشاهدة صفات البقاء بعدما افناهم فى انوار صفات القدم باقون فى البقاء بلا ضرر الفناء لانهم لا يزالون بعد ذلك الا اصحاب الصحو بعد المحو قال شاه الكرمانى رحمة الله عليه الاخبات ثلاثة غم الاياس مع التوبة لكثرة العود الى الذنوب وخوف الاستدراج فى اسبال الستر وتوقع العقوبة فى كل وقت حذراً و اشفاقا من العدل قال الاستاذ الاخبات التخشع لله بالقلب بدوام الانكسار ومن علامات المخبتين الذبول تحت جريان المقادير بدوام الاستعانة بالسر ثم ان الله سبحانه فرق بين المقبولين فى الازل بنعت اصطفائيتهم بالولاية وبين المطرودين فى القدم باحتجابهم عن الوصلة والمشاهدة بقوله { مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ } مثل المحقق والمدعى كمثل السميع والبصير والاعمى السميع يسمع بسمع الحق من الحق كلمات الحق التى يفرق بها بين لمات الملكوتية والهواجس النفسانية ويبصر ببصر الحق جمال الحق الذى ينور بصائر العارفين وابصار المحبين بحيث يرون بها ضمائر القلوب وحقائق الغيوب فهذه الاوصاف وصف المتحققين وقال القائل فى هذا المعنى
ليلى من وجهك شمس الضحى   وانما السدفة فى الجو
الناس فى الظلمة من ليلهم   ونحن من وجهك فى الضو
والجاهل الغاوى لا يسمع هواتف الالهام بان ليس له سمع الخاص ولا يبصر انوار المعرفة بعوارضات البشرية ما ابين مثل الحق حيث بين صريحا نعوت العارفين وسمات الجاهلين ثم استفهم عن اهل العقول استواء احل لهم اى لا يستويان وكيف يستوى حال العارف بالله والجاهل بالله قال بعضهم البصير من عاين ما يراد به وما يجرى له وعليه فى جميع اوقاته والسميع من يسمع ما يخاطب به من تقريع وتأديب وحث وندب لا يغفل عن الخطاب فى حال من الاحوال وقيل الاعمى الذى عمى عن رؤية الاعتبار والاصم الذى منع لطائف الخطاب والبصير الناظر الى الاشياء بعين الحق فلا تنكر شيئا ولا يتعجب من شئ وقيل السميع من يسمع من الحق فميز بذلك الالهام من الوسواس وقال الجنيد الاعمى هو الذى عمى عن درك الحقائق وقال الاستاذ الاعمى من عمى ابصار رشده والاصم الذى طرش سمع قلبه فلا بالاستدلالات يشهد سر تقديره فى افعاله ولا بنور فراسته يتوهم ما وقف عليه من مكاشفات الغيب لقلبه وقال البصير هو الذى يشهد افعاله بعلم اليقين ويشهد صفاته بعين اليقين ويشهد ذاته بحق اليقين فالغائبات له حضور والمستورات له كشف والذي يسمع بصفته لا يسمع هواجس النفس ولا وساوس الشيطان فيسمع من دواعى العلم شرعا ثم من خواطر التعريف قدرا ثم مكاشف الخطاب من الحق سرا فهؤلاء لا يستويان ولا فى الطريق ملتقيان ونظر ما قال الاستاد ما انشد
ايها المنكح الثريا سهيلاً   عمرك الله كيف يلتقيان
هى شامية اذا ما استقلت   وسهيل اذا استقل يمان