الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } * { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ }

قوله تعالى { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً } اى على سبيل واحد من توحيده ومعرفته وقربته ومشاهدته ولكن حكمته الازلية وعلومه القدمية تفرقهم فى طرق المعارف وأعطى كل واحد منهم سبيلا يسلك فيه من معرفة ذاته وصفاته جميعا فيسيرون اليه بسبيل الصفات وطريق الذات على حسب مذاقهم ومشاربهم فبعض فى المعرفة وبعض في التوحيد وبعض فى المحبة وبعض فى العشق وبعض فى الشوق وبعض فى الارادة وبعض فى الحالات وبعض فى المعاملات ولا يشبه حال المريدين حال المتوسطين ولا حال المتوسطين حال العارفين وحال العارفين حال الانبياء والمرسلين وتقدر علومهم معرفتهم ولم يرتفع الاختلاف بينهم قال الله تعالى { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } اى مختلفين فى الاحوال والمقامات والافعال والاقوال { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } يبلغه الى مقام الغيبة عنه من ولهه فى انوار القدم وفنائه فى سطوات الازل وايضا إلا من يبلغه مقام الصحو والتمكين حتى يطلع على الكل فلا تخالفهم فيما هم فيه لانه فى مقام الاتصاف ونعت التمكين خارجا عن التلوين { وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ } اى طباعهم مجبولة باختلاف ترقى المقامات ودرجات الحالات وهذا سنة الله جرت فى الجميع قال تعالىكُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ } ويمكن ان الجميع خلقهم للمخالفة فى البدايات وللموافقة فى النهايات فى هذه المقامات وهذه الدرجات ويمكن ان الجميع خلقوا للرحمة وهى الموافقة فى النهاية بعد عبورهم على بحار الاحوال والاعمال اذا وصلوا الى بحر المشاهدة فيغرقون فيها ولا يعرف هناك فى تلك الساعة الوضيع من الشريف لانها منازل الشرفات وحقائق المدانات وهو بجميعهم رؤوف رحيم.
اذا اطلع الصباح لنجم راحِ   تساوى فيه سكران وصاحى
قال الجنيد خلقهم للاختلاف لو خلقهم للموافقة لما رجعوا عنه الى سواه الا من رحم ربك منهم فايدهم بانوار الموافقة فلزموا الشدة ولا يلتفتوا الى الاغيار.