الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } * { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }

قوله تعالى { وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ } ان الله سبحانه وصف الممتحن الذى ذاق من طعم احوال العارفين والمحبين والمريدين واقتحم فى حظوظ النفس وظلمات هواها واحتجب بها عن مذاق مراتب الذاكرين والصالحين ولم يتدارك ما فاته من عمارة الاوقات وحراسة الانفاس بقى فى حجابه وليس من مدارك احواله وزاد خوضه فى متابعة النفس ويكون هالكا مع الهالكين وكم من طائفة هلكوا فى هذه الوصلة ولم ينتعشوا قال قائلهم:
وكان لى مشرب يصفو   برؤيتكم فذكرته الايام حين صفاء
قال ابو سعيد الخراز من ذاق حلاوة الذكر وصفاء السر ثم نزع منه من شتى المقامات والاحوال فليحكم لقلبه بالموت ولسره بالعمى عن طريق الهدى لذلك قال الله { وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً } وهو محل القربة ثم نزعناها منه وهو حجاب النعمة ثم ذكر سبحانه وصف المتخلص من محن الفراق والناقه من مرض سم افاعى القهر بمفرح الترياق اذ ادرك ما فاته وطلع عليه شمس العناية من مشرق الكفاية واقبل عليه ايام السعادة بعذ ذهاب ايام الشقاوة بقوله { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ } اذقناه نعماء الوصال بعد ضراء الفراق اذقناه من شراب الوداد بعد رجوعه الى المراد يطربه المواجيد ويسكره انوار شراب الوصلة فيهيج نفسه بهيجان قلبه ويضطرب ويفرح بذهاب ظلمة الهجران عنه ويظن ان الاوقات باقيات عليه فيدعى بدعاوى البشرية بالمقامات والاحوال عند الخلق وذلك غلط عظيم يفرح بغلطه ولا يعلم مزلة قدمه فيكون بعد ذهاب الوقت كما كان وذلك معنى قوله { إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } ثم استثنى الله سبحانه اهل الاستقامة والثبات فى موازاه تجلى انوار قدمه بنعت الخنوع والفناء حتى يجرى عليهم بديهة المكاشفة وصولات الوقت بقوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } وجدوا من اغلى الزلفة وارفع القربة ولا يفشون تلك الاسرار عند الخلق بنعت الدعوى ومعنى قوله عملوا الصالحات استقامتهم على تدارك الاوقات بوصف ومنع اقدام الصدق على هواهم حيث يراعون انفاسهم ويقدسونها عن شوبها مع الخطرات ثم وعد الله لهم بصبرهم واستقامتهم وتدارك احوالهم عقران ما مضى من الفترة والغفلة وانه تعالى يسترهم عن نفوسهم وهواجسها وشياطينهم ووساوسها بقوله { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } المغفرة اقبال الله عليهم بوصف قبولهم والاجر الكبير ودوام الاوقات على السرمدية وتواتر المواجيد وبلوغهم الى انبساطات الاول بوصف رفع الاحتشام وتذكير ما سلف من الفرقة وقال الاستاذ فى تفسير قوله { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ } من استمسك بعروة التضرع واعتكف بعقوة التذلل وتحسر كاسات الحسرة علا بعد نهل طالعة الحق بنعت الرحمة وجدد له ما اندرس من احوال القربة وأطلع عليه شمس الاقبال بعد الافول والغيبة كما قيل

السابقالتالي
2