الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ }

قوله تعالى { فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ } بين سبحانه ان ما يبدو من نور شهوده هو وصف رؤيته واعلام صفته وكشف ذاته بلا شك ولا شبهة وذلك قوله { فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ } اى هو الحق بلا شبه ولا تشبيه ولا تعطيل ثم بين ان من لم يعرف الاشياء والشواهد بهذه المثابة فهو ضال عن طريق مشاهدته وطريقه عمياء لا يكون الرشد فيه لأن من احتجب بالكون عن المكون فهو يعمه فى مهمه القهر ولا يهتدى من كان مرهونا بالاشياء عن خالق الاشياء وهذا معنى قوله { فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ } ثم بين ان البعد لا يقتضى الا البعد وليس للعبد حد فاين تذهب البعيد فى البعد ولا يجد فى البعد اليه سبيلا قال تعالى { فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } اى الى من يرجعون اذا فات وصاله عنكم وليس للحدثان مصرف الفرار فاني اين وانهم ان هذه الاية اشارة سابق قوله { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } اى من يرزق الارواح من الملكوت غذاء قربه ووصاله ومن يرزق القلوب من ملكوت الارض صفاء عبوديته { أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ } من يملك اسماع العارفين بلذيذ جلاله ومن يملك ابصار الصديقين بكشف جماله والنظر الى جلاله { وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ } اى من يخرج الارواح العارفة الاحياء بحياته ومعرفة ذاته وصفاته من العدم بنور القدم { وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ } من يخرج الانفاس الفانية فى عظمته الباقية من القلوب الحاضرة فى مشاهد القربة { وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } من يسهل قطع صفات مفاوز النكرات للعارفين ومن يعرف امور العبودية والربوبية قلوب الموحدين ثم بين ان من شاهد هذه المراتب يعترف بها صدقا وعدلا بقوله { فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ } فاذا اعترفوا بذلك وصاروا شاهدين معانى شهوده خوفهم من نفسه الا ان يلتفتوا الى سواه فى طريق بقوله { فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } اى فلا تخافون من فراقه فذلكم الله ربكم الحق اى هو منعم هذه النعماء يربيكم بهذه السعادات لا غير فاين تصرفون منه الى غيره فماذا بعد الحق الا الضلال اخص الاشارة فيه اى اذا أوقعتهم فى انوار معرفتى بعد كشوف صفاتى وذاتى لا تطلبوا كنه القدم فانه معادن الملكوت ونكراتها بلا نهاية لان القدم ممتنع عن احاطة القلوب به وعن ادراك الارواح والبصائر حقائقه والكنهية قال الحسين الحق هو المقصود بالعبادات والمصمود اليه بالطاعات لا يشهد بغيره ولا يدرك بسواه وقال الواسطى فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق الا الضلال لا يجوز للموحد ان يشهد بشاهد التوحيد لانه وصف الاشياء بالضلال فلم تتهيأ لضال ان تقف ولا تعجز ان تصف وقال الحسين الحق هو الذى لا يستقبح قبيحا ولا يستحسن حسنا فكيف يعود اليه ما منه بدأ و يؤثر عليه ما هو أنشأه قال بعضهم قلوب اهل الحق مع الحق على مراتب فقلب فى قبضة الحق مأسور بكشف الوجد مسرور وقلب طار اليه بالشوق وروح برياح بالقدوم عليه وقلب اعتقد فيه الامال فهو عليه ثقل الاعمال وقلب انقطع اليه بالكلية من كل البرية وقلب شديد الاحتراق لشدة الاشتياق وقال بعضهم الحق طريق العلماء والحقيقة طريق الحكماء والتحقيق طريق الاولياء والحقائق طريق الانبياء وقيل فى قوله { فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } من الحق الى سواه قال الواسطى فى قوله { وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } من يبدئ امره ويعيده ويدبر فى اوقاته السائرة فاذا قال من يدبر الامر زال الاملاك فكيف يجوز لقائل ان يقول فعلى وعملى.