الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

قوله تعالى { هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } ذكر الله سبحانه عجائب احوال العارفين فى هذه الاية اى يسير نفوسكم فى بر المجاهدات ويسير قلوبكم فى بحر المشاهدات وايضاً يسير عقولكم فى بر الايات ويسير قلوبكم وارواحكم فى بحر الصفات والذات ثم وصف سير القلوب والارواح فى بحار الذات والصفات بقوله { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ } اى فى كنف الرعاية الازلية ولولا ذلك الفلك كيف يجرى الحدث فى انوار بحار القدم جرت القلوب فى بحار الصفات بعناية الذات لا بها اذ هى فى قبضة ملكه وملكوته واصابع انوار جبروته يقلبها بسفن قبضه فى انوار صفته وذلك قوله { وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ } ريح الكرم والعناية لسيرها بريح نطفه فى بحار الازال والاباد وما اطيب مهب صبا وصاله فى قلوب العاشقين والوامقين انشد
الا يا نسيم الريح ما لك كلما   تقربت منا زاد نشرك طنينا
أظن سليمى خبرت بسقامنا   فاعطتك رياها فجئت طبيبنا
ففرحت القلوب بسيرها فى الوصال بطيب ريح الجمال وذلك قوله { وَفَرِحُواْ بِهَا } نشطوا بالله على الله فلما سكنوا فى مجالس الوصال وتمتعوا بحسن الجمال عادت عليهم غيرة القدم وارادت ان يخرجها من ساحة القدم وبساطين الكرم الى معادنها من العدم وهكذا عادة العشق يذيق العاشق من الفراق بعد ذوق الوصَال وذلك قوله { جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ } فذروها عواصفات قهر الازل وتحيطها امواج بحار الابد وفارقها طيب ريح الوصال وحسن لطائف الجمال وبقيت فى امواج عظمة الكمال قال قائلهم
فبتنا على زعم الحسود وبيننا   شراب كريح المسك شيب به الخمر
فوسدتها كفى وبت صحيفها   وقلت لليلى طل فقد قدر البدر
فلما اضاء الصبح فرق بيننا   واى نعيم لا يكدره الدهر
وانشد ايضاً
اقمنا زمانا والعيون قريرة   واصبحت يوما والجفون سواكب
فلما وصلت القلوب الى قاموس الكبرياء وكادت تفنى بامواج البهاء فرت منه اليه واستعاذت من قهره بلطفه بقوله { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } دعوا الله بالله بعد استماع مناداة الله بعد التبرى من غير الله وبنعت بذل الموجود لله { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } اى لئن تخلصنا من قهر غيرتك والغرق فى بحار الوهيتك لانا نحن الحدث والحدث لا يوازي القدم فوفقنا برؤية جمال نباتك لنبق ببقائك معك فى بقائك ونشكرك بك لا بنا فلو اردت فنانا كيف نبقى معك فاذا وجب علينا شكر البقاء مع بقائك وشكرنا معرفة عجزنا عن حمل شكرك حيث شكرت نفسك بشكرك القديم المنزه عن شكر الشاكرين قيل يسيركم فى براري الشوق وبحار القربة { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ } يعنى فى القبضة والاسر وهبت رياح الكرم على المريدين الذين هم فى الطريق وفرحوا بما يلحقهم من العناية والرعاية { جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ } اتت عليهم من موارد القدرة ما افناهم عن صفاتهم وحيزهم فى طريقهم وجاءتهم امواج القهر وقهرهم عملهم وظنوا أنهم احيط بهم توهموا انهم من الهالكين فى امواج وهم المطهرون الاخبار عن الله مخلصين له الدين تركوا ما لهم وبهم وعليهم من الاختيار والتدبير ورجعوا الى حد التفويض والتسليم فنجوا وقال بعضهم سير العباد والزهاد بالانفس فى البر وهو الدرجات والمنازل وسير العارفين بالقلوب فى البحر وفيها الامواج والاخطار ولكن سير شهر فى يوم

السابقالتالي
2 3 4 5