الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } * { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ ٱلْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ } * { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّ فِي ٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

{ الۤر } الالف عين الوحدانية واللام عين الازلية والراء عين الربوبية من عين الوحدانية تجلى بالالف لقلوب الموحدين والمنفردين من الحدثان ليفنوا فى سبحات الالوهية وتجلى من عين الازلية باللام لارواح العارفين لتطيره باجنحة انوار القدم فى القدم وتجلى من عين الربوبية بالراء لأسرار المحبين ليستانسوا بحسن الصفات وليشتاقوا الى مشاهدات الذات سقى الموحدين رحيق الانانية باقداح الالف من بحار الوحدانية فخرجوا بنعت الاتحاد وسقى العارفين عقار العشق باقداح اللام من انهار الجمال فخرجوا بنعت الاتصاف والهين وسقى المحبين مروق الوداد باقداح الراء من عيون انوارالربوبية فخرجوا بنعت الحيرة هائمين وايضاً الالف الاؤه للصادقين واللام الطافه للمقربين والراء رحمته على التائبين قال الحسين فى القران علم كل شئ وعلم القرآن فى الاحرف التى فى أوائل السور وقد وقع لى ان ما يكون فى سورة يونس من الغرائب والعجائب والقصص والامثال جمعها فى ثلاثة احرف فى الالف واللام والراء ونبه بها قلب نبيه صلى الله عليه وسلم باشارة الاحرف الثلاثة فكفى له ذلك لان بينه وبين الله رموز او اشارات لا يطلع عليها جميع الخلائق فلذلك يحتاجون الى نزول سورة كاملة وايضاً خاطبه باحسن الاسماء مواساة وتربية اشار بالالف يا ادم الثانى لان الالف اول الحروف من ادم واشار باللام يا لطيف واشار بالراء يا رحيم كما قال يا طه ويا يس ويا ايها المزمل ويا ايها المدثر اى هذه الابناء ايات صفاتية ازلية التى كنت حكيماً وعالماً بما فى القدم والازل ايضاً اى تلك علامات ما الهمنا روحك فى الازل فتعرفك بها مكان خطاب الاول وبين سبحانه أن القرآن محكم بحكم الازلية وحجج البالغة بامر الربوبية والدعاء الى العبودية من فهمه صار حكيما بحكمته وقيل اى فيه علامات قبول الحكماء لهذا الخطاب وقيل الكتاب الحكيم العهد الناطق عليك باحكام الظاهر والباطن قال الأستاذ إن هذا الكتاب هو الموعود لكم يوم الميثاق والاشارة فيه انا الصفر نسبح الشعر وغيره والعناج الخيط الذى يشد من اسفل الدلو حققنا لكم الميعاد وصفرنا لكم عناج الوداد وانقضى زمان اليعاد فالعصاة ملقاة والايام بالسرور متلقاه فبادروا الى شرب كاسات المحاب واستقيموا على نهج الاحباب خلقه لم يعرفوا موقع عناية الله وفضله واختياره لنبيه نبوته ورسالته بقوله { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ } واخبر ان هذه الخاصية من الله سبحانه له بان ينبه التوابين عن مشاهدة عظمته بعظيم بطشه وجلال قدره بقوله { أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ } ويبشر الصادقين فى ايمانهم بان وصاله لهم بنعت السرمدية بقوله { وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ } اخبر عن اوائل كرمه وسوابق فهمه الصافى فى ارادتهم والمخلصين فى مقاصدهم ان لهم وصالا بغير حجاب وكشف جمال بغير عتاب وايضاً اى بشر العارفين ان لارواحهم فى مقام قدس جلالى وتجلى ازلى قدم المحبة وصدق اليقين بمشاهدة حين كشف جمال وجهى لها فى ميثاق الاول وصدق تلك الأقدام بوصف المحبة انها لا تزول عن محل الاستقامة فى العبودية وعرفان الربوبية وايضاً ما وصفت قدم الربوبية فى ايجاد الكونين الا بصدق محبتى لهم فى الازل وايضاً معنى الاية اولها تخويف بقوله { أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ } اى خوف من نسينى طرفة عين بفوت حظ مشاهدتى وفراقى ووله وصالى ثم بشر بلسان نبيه عليه السلام من كان جميع قلبه مملوءاً من حبه وصفا ذكره وايضاً الى بشر المريدين ايقنوا قربتى لهم وعنايتى لهم انهم وان أخطأوا بمباشرة هوى نفوسهم فى زمان فترتهم ان لا يقنطوا من فضلى ولطفى القديم لهم فى سابق حكمى فان لهم عندى قدم صدق الارادة فى البداية ولا يحذر من كرمى ان اهدم صدق اقدامهم فى الارادات بل اوويهم بعناياتى الى قربى ووصالى واراعى عواقب امورهم حتى يكون اقدام الاواخر مستويات باقدام الأوائل قال ابو سعيد الخراز تفرق الطالبون عند قوله من طلبنى وجدنى على سبيل شئ اولهم اهل الاشارات طلبوه على ما سبق من قوة الاشارة وهم اهل قدم الصدق عند ربهم فبالقدم اشار اليهم فهم اهل الطوالع والاشارات حظهم منه ذلك وقال سهل سابقة رحمة اودعها فى محمد صلى الله عليه وسلم وقيل فى قوله { أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ } اى مما يذهل قلوب الصادقين المنتبهين وقال النصرابادى فى قوله { وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ } القدم الصدق لم يبق له مقام الا وقد سلكه بحسن الادب لذلك ان قدم الصدق هو موضع الشفاعة للنبى صلى الله عليه وسلم وقال الاستاد قدم صدق ما قدموه لانفسهم من طاعات اخلصوا فيها وفنون عبادات صدقوا فى القيام بنقصها ويقال هو ما قدم الحق سبحانه لهم يوم القيامة من مقتضى عنايته بشأنهم وما حكم لهم من فنون احسانه وصنوف ما افردهم به من امتنانه ثم وصف نفسه تعالى بالربوبية والالوهية تنزيهاً تربية لاسرار العارفين وتقديساً لقلوب الموحدين بقوله { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ } ثم بين اعلام الالوهية لترفيه فواد الموقنين بقوله { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } اخبر عن ترصيعه الملكوت بانوار الجبروت لاستبصار العاقلين وجعل ايام بنائهما معدودة لاطفاء نيران عجلة الانسان والا هو مقتدر بقوة القدم ان يوجد الف الف سماء والف الف ارض باقل من لمحة ثم جعل العرش مرآة تجلى قدسه ويأوى ارواح احبائه بقوله { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } خامر انوار عظمة العرش وجعله ماوى انفاس الصديقين ومنتهى مسالك المريدين ثم اخبر انه تعالى يستهل طريقه اليه لطالبته بقوله { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } يقدس الارواح العاشقة الصادقة طرق مشاهدته ووصاله من علة الحدثان ويصطفى قلوب العارفين بكشوف عجائب صفاته وانوار ذاته ثم بين انه مختار لولاية الاولياء بنفسه لانتقاص من جهة الخلق وعلة الخليفة بقوله { مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ } من يعطيه لسان الانبساط يسأل ويشفع بعد انبساطه اليه والا كيف يكون للحادث عند القديم وزن ثم عرف نفسه بما وصف به نفسه لفهماء المعرفة والمربين بانوار المحبة بقوله { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ } ثم دعاهم الى عبادته بعد معرفته بقوله { فَٱعْبُدُوهُ } اى اعبدوه بالمعرفة لانه خلق الخلق لعرفانه قال كنت كنزا مخفيا وأحببت ان اعرف ثم جثهم بالتفكر والتذكر بقوله { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } اى افلا تخوضون فى بحار الافكار ليدركوا حقائق الاذكار وتبصروا بها حقائق الانوار وتنكشف لكم لطائف الاسرار قال بعضهم فى قوله { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } يختار العبد ما هو خير له من اختياره لنفسه ثم بين سبحانه ان نفسه تعالى مرجع كل غريق فيه ومنجا كل خائف منه ومأوى كل هائم له ومآب كل اواب اليه ومقصد كل قاصد اليه ومطلب كل طالب له ومنتهى همة كل سيار فى اسفار نواله واباده بقلبه وروحه وسره اليه بقوله { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } كل صفة منه تعالى مراد كل مجذوب بنورها اليه من القدم الى الابد فمرجع العاشقين جماله ومرجع العارفين جلاله ومرجع الموحدين كبرياؤه ومرجع الخائفين عظمته ومرجع المشتاقين وصاله ومرجع المحبين دنوه ومرجع اهل الفناء ذاته انوار ذاته اوطان ارواح القدسية وانوار صفاته مزار قلوب الوالهة وانوار افعاله مقر عقول الهائمة تعالى جلاله عن علة الحدثان والاكوان والحدثان يرجع الى مصرف وجود القدم لانها بدت منه واليه يعود وهو مقدس بعظمته عن ان يكون محلا للحادث وتصديق ذلك بيانه فى اخر الاية { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } ابداهم من العدم بتجلى القدم ثم يفنيهم بقهر سلطان غيرته ومرجعهم الى معدن الاول ثم يعيدهم رحمة وشفقه ليجازي العارفين بكشف جماله بقوله { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ } اى يجزى الذين شاهدوا بقلوبهم مشاهد الملكوت بكشف جمال الجبروت ويجازى الذين اصلحوا سرائرهم لنزول انواره مجازيهم بمداناة وصاله يا اخى من رجع من سفر البعاد الى قرب محبوبه يفرح المحبوب بمقدمه ويعطى نفسه لمريده وزائره فانه سبحانه يكشف نقاب الغيرة عن جمال مشاهدته لكل اواب اليه

السابقالتالي
2 3 4 5