الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }

قوله تعالى { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً } ان الله تعالى وصف المتحيرين بين القضاء والقدر والارادة والمشيئة فاذا اظلم عليهم سجوف ليالى البليات واذهب عنهم بمباشرة القهر اثر الراحات حرك يد اللطف الازلى سلاسل عقود قلوبهم الى اقبال الحضرة واضاء تنفس صباح لوائح الغيب فى اسرارهم فصرفهم بنعت الاضطرار الى باب الربوبية فراوا هنالك اعلام قهر الجبروت وخرجت عقولهم من ممكن جنس الامتحان وحثهم الى التضرع فى ميادين السلطنة فيخلصوا من ورطة الامتحان بدعائهم على باب الرحمن فلما سكنوا عن تواتر البلاء فاشتهت عقولهم بقاءهم فى الاستقامة فيصول عليهم عساكر القصريات واغرقتهم فى بحار الشهوات واعمتهم عن انظار المشاهدات ويفعلون قبائح الاعمال وينسون عهود الافضال وأيام النوال
كأنه الفتى لم يعرَ يوماً إذا اكتسى   ولم يك صعلوكاً إذا ما تمولا
يا ليتهم لو كانوا صادقين فى اللجا اليه والتضرع بين يديه فان من بلغ الى مقام الدعاء وعرف مقاماته فهو فى منزل الانبساط والمنبسط شاهد رضوانه وموضع نظره واحسانه ومن وصف هذا الداعى ان يكون مستانساً بربه ويدعوه فى جميع حالاته واذا دعاه دعاه نبيه صادقة وعقيدة صافية فدعاه فى زمان البلاء الصبر وفى زمان النعمة الشكر قال ابو حفص الدعاء باب الله الاعظم وهو سلاح المؤمن عند النوائب وقال ايضاً يرجع العبد الى ربه بالحقيقة عند الفاقات ونزول المصائب بالرضا ولكنه لما لم يكن له فى اوقات الرفاهية رجوع اليه رد فى حال المصائب والضروريات الى الدعاء واللجاء وقال الشيخ ابو عبد الرحمن السلمى سمعت جدى يقول الله الدعاء على العادة جناية وعلى اليقين نجاة وعبادة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " الدعاء هو العبادة " ولكن للدعاء اوقاتاً وآداباً وشروطاً فمن لم يطالب نفسه باوقات الدعاء وادابه وشروطه كان محروماً وآداب الدعاء وشروطه ما روي عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال " ادعوا الله وانتم موقنون بالإجابة واعلموا ان الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه " ثم زاد فى وصف هؤلاء الذين لم يدركوا حقائق العبودية فى مشاهد الربوبية بانهم هلكوا بانصرافهم عن باب الله ومحل الاخلاص الى متابعة الشهوات والاقتداء بالوسواس بقوله { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ } الظلم ههنا الانكار بعد الاعتراف والاعجاب بالرأى بعد ترك السنة والاسوة لما عتوا على اسماء الله بعد علمهم بصدق كراماته اهلكهم الله بان تركهم فى حجاب الشهوة والنفس ولم يعرفهم طريق الخطأ ولم يرشدهم الى طريق اهل قربه ووصاله قال ابن عطاء فى قوله { لَمَّا ظَلَمُواْ } لما اعتمدوا سوانا وقال ابو عثمان { لَمَّا ظَلَمُواْ } لما لم يعرفوا حقوق اكابرهم ولما يتادبوا بآدابهم ثم خوف الله سبحانه خلفاء الانبياء من الصديقين والمقربين لا يلتفتوا فى طريق الله الى شئ غير الله ولن يروا عزا من طريق السنن الى سبيل اهل اليقين بقوله { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } خلفاء الارض نواب الانبياء وورثة الرسل وهم اهل الاستقامة والتمكين والجمعية الذين يخاطبهم الله فى كل نفس بلسان الولاية ويورثهم خطابه الاداب السنية والاعمال الزكية والاخلاق الكريمة والاسوة الحسنة ثم يورثهم هذه الاحكام بالانس بالذكر والخوض فى الفكر والسير بالقلوب فى انوار الغيوب والطيران بالارواح فى عالم الافراح وايواء الاسرار الى سرادق المجد فيرون بعد ذلك فى حضرة القدس مجالس الانس ويشربون من بحار محبته ويشتاقون الى لقائه ويعشقون بوجهه ويرونه بظهور الصفات او كشوف الذات كفاحاً ويسمعون منه تعالى كلاماً صرفاً فيرجعون بعد ذلك الى دعوة الخلق الى الله بالسنة الموعظة والامر بالمعروف والنهى عن المنكر وحفظ حدود الله عليهم قال بعضهم لم يزل الانبياء لهم خلفاء والاولياء لهم خلفاء ابدلهم الله مكانهم ليروا السباقين سنتهم ويمسكوا على طريقتهم قال الله { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ }.