الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله تعالى { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً } الدين هٰهنا محبة الله والشوق الى لقائه ومعرفة صفاته اى اقبل بوجهك الى هذه الصفات الحنيفة الخليلة المبراة عن محبة كل مخلوق سوانا ثم اقبل بهذه الصفات جميعا وجهك بنعت الاستقامة الى مشاهدة وجهنا الازلى المنزه عن المخائيل والتصاوير حتى ترانى بى وتصل اليك انوار وجهى الذى لو سلط ذرة منها على جميع الاكوان والحدثان من العرش الى الثرى يضمحل جميعاً تحت انوار سلطان بهائى وجلالى قال عليه السلام " حجابه النور لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه " اى يستقيم لي فى ذلك المقام حتى تطيق ان تحمل اثقال انوار مشاهدتى ثم خوفه من الالتفات الى غيره فى اقباله عليه بقوله { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } من الطالبين منى غيرى والاسرين على حبال مشاهدتى ما لا يليق به من الحدثان قال ابن عطاء صحح معرفتك ولا تكونن من الناظرين الى شئ سوى الحق فيمقتك الله واقامة الملة الحنيفية هو تصحيح المعرفة ثم زاد تأكيد الاقبال عليه والاعراض عما سواه بقوله { وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } شدد امر التوكل والاعتماد عليه بقطعه طريق الاعراض عما سوى وصاله وبين ان من نظر الى غيره عند امتحان الله بالسراء والضراء يكون مغلوب قهره متروك حظه محروما من مراده محجوبا عن الله بغير الله باقياً في فوت المراد ومن كان بهذه الصفة فهو ظالم حيث وضع الربوبية عند من لا يستقيم فى العبودية قال شقيق الظالم من طلب نفعه ممن لا يملك نفع نفسه الضر ممن لا يملك الدفاع عن نفسه ومن عجز من اقامة نفسه كيف يقيم غيره قال الله { فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } ثم زاد تاكيداً اليه فى رجوع عباده بالكلية واعراضهم عما سواه بقوله { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ } عرف حبيبه ان كل حركة من العرش الى الثرى فهو تعالى محركها وكل روح وجسد وقلب ونفس وهمة وعقل وكفاية مستغرقة فى بحار مقاديره لا يجرى عليهم الا موارد القضاء والقدر وكل مشيئة فى الامتحان بالضر وايصال النفع تصدر من حكمه السابق فينبغى ان لا يرى الغير فى البين ان يمسسك الله بضر الحجاب فلا كاشف لذلك إلا ظهور انوار وصاله وان يردك بخير كفف جماله فلا اراد لفضل وصاله من سبب وعلة من الاكوان والاحمال فان المختص فى الازل بوصالنا لا يحتجب بشئ من الاشياء لانه فى الفضل السابق مصون عن جريان القهر ثم علق ذلك بمشيئته السابقة واخراجه عن اكتساب البشر بقوله { يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } من عرفائه لانه ساتر الاولياء فى قباب عصمته عن طوفان قهره رحيم بهم حيث رباهم بجماله وآواهم الى وصاله قال ابن عطاء قطع الحق على عباده طريق الرغبة والرهبة الا اليه باعلامه انه الضار النافع.