الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }

قوله تعالى { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } اي منازل الدينَ انْعَمْتَ عليهم بالمعرفة وحسن الادَبَ في الخدمة وايضاً أنعمت عليهم باليقين التّام والصدق على الدَّوام واطلاعِهم على مكائد النفس والشيطان وكشف غرائب الصفات وعجائب انوار الذاتِ والاستقامة في جميع الاحوال وبسعادة الهداية الى القربة بعناية الازلية وهم الانبياء والاولياء والصديقون والمقربون والعارفون والامناءُ والنخباء قال ابو عثمان انعمت عليهم بان عَرّفتَهم مهالك الصّراط ومكائد الشيطانِ وجناية النفس وقال بعضهم أنعمت عليهم في سابق الازل بالسعادة وقال جعفر بن محمد انعمت عليهم بالعلم بك والفهم منك وقيل انعمتُ عليهم بمشاهدة المنعم دون النعمة وقال بعضهم انعمتَ عليهم بالرّضا بقضائك وقَدرك وقيل انعمت عليهم بمخالفة النفس والهوى والاقبال عليك بدوم الوفاء وقال حميد فيما قضيتَه من المضارّ والمسارّ وقال بعضهم انعمت عليهم بالاقبال عليك والفهم عنك ويقال طريق من اَفْنَيْتَهم عنهم طاقتهم بك حتى لم يقفوا في الطريق ولم يسدَّهم عنك خفايا المكر وقيل صراط من انعمت عليهم حتى يُحرسوا من مكائد الشيطان ومغاليط النفوس ومخايل الظنون ويقالُ من طهرتَهم من اثارهم حتى وصلوا اليك بك ويقال صراط من انعمت عليهم بالنظر اليك والاستعانة بك والتبرى من الحول والقوّة وشهود ما سبق لَهُم من السعادة في سابق الاختيار والعلم بتَوَحدك فيما قَضَيْته من المسارّ والمضار ويقال انعمت عليهم بحفظ الأدب في اوقات الخدمة واستشعار نعت الهيبة وقيل صراط من أنعمت عليهم من تأدَّبوا بالخلوة عند غليات بوادي الحقائق حتى لم يخرجوا عن حد العلم فلم يخلوا بشئ من اعد الهيبة ولم يضيعوا من احكام العبودية عند ظهور سلطان الحقيقة وقيل صراط مَن انعمتَ عليهم بل حفظت عليهم آداب الشريعة واحكامَها الشرع وقيل صراط من انعمت عليهم حتى لم يطف شموسُ معارفهم انوارَ ورَعهم ولم يضيعوا من احكام العبودية عند ظهور سلطان الحقيقة.

قوله تعالى { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } يعني المطرودين عن باب العبودية وقال ابو عثمان الذين غَضَبت عليهم وخذلتهم ولم تحفظ قلوبهم حتى تَهَوَّدوا وتنصَّروا وقال الاستاذ الذين صدْمتهم هوازم الخذلان وأدركتهم مصائب الحرمان قال ابو العباس الدينَورَى وكلتهم الى حَوْلهم وقوتهم وعرّيتهم من حولك وقوّتك وقيل هم الذّين لَحِقَهم ذُلّ الهوان واصابهم سوء الخسران وشَغَلوا في الحلال باجتلاب الحظوظ وهو في التحقيق مكرر ويحسبون انهم على شئ وللحق في شقاوَتهم سِرّ ولا الضّالين عن شهود سابق الاختيار وجَرَيان تصاريف الاقدار { وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } يعني المفلسين عن نفائس المعرفة وايضا غير المغضوب عليهم بالمكر والاستدراج { وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } عن انوار السبل والمنهاج وايضاً { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } بالحجاب { وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } عن رؤية المآب وايضاً غير المغضوب عليهم بالانفصال ولا الضالين عن الوِصَال وقال ابن عطاء غير المخذولين والمطرودين والمنهانين الذين ضلوا عن الطريق الحقّ وقيل { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } في طريق الهلكى { وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } عن طريق الهدى لاتباع الهوى واما في قوله آمين اي استدعاء العارفين مزيد القربة مع استقامة المعرفة من رب العالمين والافتقار الى الله بنعت الانظار لاقتباس الانوار وايضا قاصدين الى الله بمراتب النوعية والرّهبة وقال ابن عطاء اي كذلك فافعل ولا تكلني الى نفسى طرفة عين وقال جعفر آمين قاصدين نحوك وانْتَ اعَزُّ من ان تخيبَ قاصِداً.