الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

مَنْ ظَنَّ أنه يُقْنَعُ منه بالدعوى - دون التحقق بالمعنى - فهو على غَلَطٍ في حسبانه. والذي طالبهم به من حيث الأمر صِدْقُ المجاهدةِ في الله، وتَرْكُ الركونِ إلى غير الله، والتباعدُ عن مُساكَنَةِ أعداءِ الله.. ثِقةً بالله، واكتفاءً بالله، وتبرِّياً من غير الله.

وهذا الذي أمرهم به ألا يتخذوا من دون المؤمنين وليجةً فالمعنى فيه: ألا يُفْشُوا في الكفارِ أسرارَ المؤمنين.

وأولُ مَنْ يهجره المسلمُ - لئلا تَطَّلِعَ على الأسرار - نَفْسُه التي هي أعدى عدوِّه، وفي هذا المعنى قال قائلهم:
كتابي إليكم بعد موتي بليلةٍ   ولم أدرِ أَنِّي بعد مَوْتِيَ أكتب
ويقال: إن أبا يزيد - فيما أُخْبِرَ عنه - أنه قال للحقِّ في بعض أوقات مكاشفاته: كيف أطلبك؟ فقال له: فَارِقْ نَفْسَكَ.

ويقال إن ذلك لا يتمُّ، بل لا تحصل منه شظيَّة إلا بكَيِّ عُرُوقِ الأطماعِ والمطالباتِ لِمَا في الدنيا ولِمَا في العُقبى ولِمَا في رؤية الحال والمقام - ولو بِذَرَّةٍ. والحريةُ عزيزةٌ... قال قائلهم:
أتمنى على الزمانِ مُحَالاً   أَنْ ترى مُقْلَتَايَ طَلْعَةَ حُرِّ