الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } * { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } * { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } * { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } * { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } * { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } * { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } * { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً }

{ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً }.

يتمكنون من قطافها على الوجه الذي هم فيه من غير مشقة؛ فإِن كانوا قعوداً تُدلَّى لهم، وإن كانوا قياماً - وهي على الأرض - ارتقت إليهم.

{ وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ }.

الاسم فضة، والعين لا تشبه العين.

{ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً }.

أي: في صفاء القوارير وبياض الفضة... قَدَّرَ ذلك على مقدار إرادتهم.

{ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً }.

المقصود منه الطِّيب. فقد كانوا (أي العرب) يستطيبون الزنجبيل، ويستلذون نكهته، وبه يشبِّهون الفاكهة، ولا يريدون به ما يقرص اللسان.

{ عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً }.

أي: يُسْقَوْنَ من عينٍ - أثبت المَسْقِيَّ وأَجْمَلَ مَنْ يسقيهم؛ لأنَّ منهم من يسقيه الحقُّ - سبحانه - بلا واسطة.

قوله جلّ ذكره: { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً }.

أي: يخدمهم { وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ } وصفا لا يجوز واحد منهم حدَّ الوصائف.

وجاء في التفسير: لا يَهْرَمون ولا يموتون. وجاء مُقَرَّطون.

إذا رأيتهم حسبتهم من صفاء ألوانهم لؤلؤاً منثوراً.

وفي التفسير: ما من إنسانٍ من أهل الجنة إلا ويخدمه ألف غلام.

قوله جلّ ذكره: { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً }.

{ ثَمَّ }: أي في الجنة.

{ وَمُلْكاً كَبِيراً }: في التفاسير أن الملائكة تستأذن عليهم بالدخول.

وقيل: هو قوله:لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا } [ق: 35] ويقال: أي لا زوالَ له.

{ عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً }.

يحتمل أن يكون هذا الوصف للأبرار. ويصح أن يكون للولدان وهو أَوْلَى، والاسم يوافق الاسم دون العين.

{ شَرَاباً طَهُوراً }: الشراب الطهورُ هو الطاهر في نفسِه المُطَهِّرُ لغيره.

فالشراب يكون طهوراً في الجنة - وإنْ لم يحصل به التطهيرُ لأن الجنة لا يُحتاجُ فيها إلى التطهير.

ولكنه - سبحانه - لمَّا ذَكَرَ الشرابَ - وهو اليومَ في الشاهد نجَسٌ - أخبر أنَّ ذلك الشرابَ غداً طاهرٌ، ومع ذلك مُطَهِّر؛ يُطَهِّرُهم عن محبة الأغيار، فمن يَحْتسِ من ذلك الشرابِ شيئاً طَهَّرَه عن محبة جميع المخلوقين والمخلوقات.

ويقال: يُطَهِّرُ صدورهم من الغِلِّ والغِشِّ، ولا يُبْقِي لبعضهم مع بعض خصيمة ولا عداوة ولا دَعْوَى ولا شيء.

ويقال: يُطهِّرُ قلوبهم عن محبة الحور العين.

ويقال: إن الملائكة تعرض عليهم الشرابَ فيأبون قبولَه منهم، ويقولون:

لقد طال أَخْذُنا مِنْ هؤلاء، فإذا هم بكاساتٍ تُلاقِي أفواهَهَم بغير أكُفٍّ؛ من غيبٍ إلى عَبْدٍ.

ويقال: اليومَ شرابٌ وغداً شراب... اليوم شرابُ الإيناس وغداً شرابُ الكاس، اليومَ شرابٌ من اللُّطْفِ وغداً شرابٌ يُدار على الكفّ.

ويقال: مَنْ سقاه اليومَ شرابَ محبَّتهِ آنسَه وشَجَّعُه؛ فلا يستوحِش في وقته من شيء، ولا يَضِنُّ بروحه عن بَذْل.

السابقالتالي
2