الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } * { مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } * { وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ } * { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }

قوله جلّ ذكره: { نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ }.

{ نۤ } قيل: الحوت الذي على ظهره الكون، ويقال: هي الدواة.

ويقال: مفتاح اسمه ناصر واسمه نور.

ويقال: إنه أقسم بنُصْرَة الله تعالى لعبادِه المؤمنين.

وأقسم بالقلم - وجوابُ القسم قولُه:

{ مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ }.

ما أوجب لصدره من الوحشة من قول الأعداء عنه:

إنه مجنون، أزاله عنه بنفيه، ومحقَّقاً ذلك بالقَسَم عليه... وهذه سُنَّةُ الله تعالى مع رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فما يقوله الأعداءُ فيه يردُّه - سبحانه - عليهم بخطابه وعنه ينفيه.

{ وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ }: أي غير منقوص...لمَّا سَمَتْ هِمَّتُه صلى الله عليه وسلم عن طلب الأعواض أثبت اللَّهُ له الأجر، فقال له: { وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ } - وإنْ كُنْتَ لا تريده.

ومن ذلك الأَجْر العظيم هذا الخُلُق، فأنت لستَ تريد الأجْرَ - وبِنَا لَسْتَ تريد؛ فلولا أنْ خَصَصْناكَ بهذا التحرُّر لكنتَ كأمثالِك في أنهم في أسْرِ الأعواض.

قوله جلّ ذكره: { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }.

كما عرَّفَه اللَّهُ سبحانه أخبارَ مَنْ قبْلَه من الأنبياء عرَّفه أنه اجتمعت فيه متفرقاتُ أخلاقهم فقال له: { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }.

ويقال: إنه عَرَضَ مفاتيحَ الأرضِ فلم يقبلْها، ورقّاه ليلةَ المعراج، وأراه جميع المملكة والجنة فلم يلتفت إليها، قال تعالى:مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } [النجم: 17] فما التفت يميناً ولا شمالاً، ولهذا قال تعالى: { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }.. ويقال: (على خلق عظيم): لا بالبلاءِ تنحرف، ولا بالعطاءِ تنصِرف؛ احتمل صلوات الله عليه في الأذى شَجَّ رأسِه وثَغْرِه، وكان يقول:

" اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " وغداً كلٌّ يقول: نفسي نفسي وهو صلوات الله عليه يقول: " أمتي أمتي "

ويقال: عَلّمه محاسنَ الأخلاق بقوله:خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } [الأعراف: 199].

سأل صلواتُ الله عليه جبريل: " بماذا يأمرني ربي؟ قال: يأمرك بمحاسن الأخلاق؛ يقول لك: صِلْ مَنْ قَطَعَكَ وأعْطِ مَنْ حَرَمك واعفُ عَمَّن ظَلَمَك " فتأدَّبَ بهذا؛ فأثنى عليه وقال: { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }.