الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

{ ٱلأَوَّلُ }: لاستحقاقه صفة القِدَم، و { وَٱلآخِرُ } لاستحالة نعت العدَم.

و { وَٱلظَّاهِرُ }: بالعلو والرفعة، و { وَٱلْبَاطِنُ }: بالعلم والحكمة.

ويقال: { ٱلأَوَّلُ } فلا افتتاحَ لوجوده و { وَٱلآخِرُ } فلا انقطاعَ لثبوته.

{ وَٱلظَّاهِرُ } فلا خفاءَ في جلال عِزِّه، { وَٱلْبَاطِنُ } فلا سبيل إلى إدراك حقِّه.

ويقال { ٱلأَوَّلُ } بلا ابتداء، و { وَٱلآخِرُ } بلا انتهاء، و { وَٱلظَّاهِرُ } بلا خفاء، و { وَٱلْبَاطِنُ } بنعت العلاء وعِزِّ الكبرياء.

ويقال { ٱلأَوَّلُ } بالعناية، { وَٱلآخِرُ } بالهداية، و { وَٱلظَّاهِرُ } بالرعاية، و { وَٱلْبَاطِنُ } بالولاية.

ويقال: { ٱلأَوَّلُ } بالخَلْق، و { وَٱلآخِرُ } بالرزق، و { وَٱلظَّاهِرُ } بالإحياء، و { وَٱلْبَاطِنُ } بالإماتة والإفناء.

قال تعالى:ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } [الروم: 40].

ويقال: { ٱلأَوَّلُ } لا بزمان، و { وَٱلآخِرُ } لا بأوان، و { وَٱلظَّاهِرُ } بلا اقتراب، و { وَٱلْبَاطِنُ } بلا احتجاب.

ويقال: { ٱلأَوَّلُ } بالوصلة، و { وَٱلآخِرُ } بالخلّة، و { وَٱلظَّاهِرُ } بالأدلة، و { وَٱلْبَاطِنُ } بالبعد عن مشابهة الجملة.

ويقال: { ٱلأَوَّلُ } بالتعريف، و { وَٱلآخِرُ } بالتكليف، و { وَٱلظَّاهِرُ } بالتشريف و { وَٱلْبَاطِنُ } بالتخفيف.

ويقال: { ٱلأَوَّلُ } بالإعلام، { وَٱلآخِرُ } بالإلزام، { وَٱلظَّاهِرُ } بالإنعام { وَٱلْبَاطِنُ } بالإكرام.

ويقال: { ٱلأَوَّلُ } بأن اصطفاك { وَٱلآخِرُ } بأن هداك، { وَٱلظَّاهِرُ } بأن رعاك، { وَٱلْبَاطِنُ } بأن كفاك.

ويقال: مَنْ كان الغالبُ عليه اسمه { ٱلأَوَّلُ } كانت فكرته في حديثِ سابقته: بماذا سمَّاه مولاه؟ وما الذي أجرى له في سابق حُكْمه؟ أبسعادته أم بشقائه؟

ومَنْ كان الغالبُ على قلبه اسمه { وَٱلآخِرُ } كانت فكرته فيه: بماذا يختم له حالَه؟ وإلام يصير مآلُه؟ أَعَلَى التوحيد يَخْرُجُ من دنياه أو - والعياذُ بالله - في النارِ غداً - مثواه؟

ومَن كان الغالبُ على قلبه اسمُه { ٱلظَّاهِرُ } فاشتغاله بشكر ما يجري في الحال من توفيق الإحسان وتحقيق الإيمان وجميل الكفاية وحُسْنِ الرعاية.

ومَنْ كان الغالبُ على قلبه اسمه { وَٱلْبَاطِنُ } كانت فكرتُه في استبهام أمره عليه فيتعثَّر ولا يدري... أَفَضْلٌ ما يعامله به ربُّه أم مَكْرٌ ما يستدرجه به ربُّه؟

ويقال: { ٱلأَوَّلُ } علم ما يفعله عبادُه ولم يمنعه عِلْمُه من تعريفهم، { وَٱلآخِرُ } رأى ما عَمِلوا ولم يمنعه ذلك من غفرانهم { وَٱلظَّاهِرُ } ليس يَخْفَى عليه شيءٌ من شأنهم، وليس يَدَعُ شيئاً من إحسانهم { وَٱلْبَاطِنُ } يعلم ما ليس لهم به عِلْمٌ من خسرانهم ونقصانهم فيدفع عنهم فنونَ مَحَنهم وأحزانهم.