الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

قوله جلّ ذكره: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ }.

الشعائر معالم الدِّين، وتعظيم ذلك وإجلاله خلاصة الدين، ولا يكون ذلك إلا بالاستسلام عند هجوم التقدير، والتزام الأمر بجميل الاعتناق، وإخلال الشعائر (يكون) بالإخلال بالأوامر.

قوله جلّ ذكره: { وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ }.

تعظيم المكان الذي عظَّمه الله، وإكرامُ الزمان الذي أكرمه الله. وتشريف الإعلام على ما أمر به الله - هو المطلوب من العبيد أمراً، والمحبوب منه حالاً.

قوله جلّ ذكره: { وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً }.

وبالحريِّ لمن يقصد البيت ألا يخالف ربَّ البيت.

والابتغاء للفضل والرضوان بتوقِّي موجبات السخط، ومجانبة العصيان.

قوله جلّ ذكره: { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ }.

وإذا خرجتم عن أمر حقوقنا فارجعوا إلى استجلاب حظوظكم، فأمّا ما دمتم تحت قهر بطشنا فلا نصيب لكم منكم، وإنكم لنا.

قوله { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ... } أي لا يحملكم بغضُ قوم لأنهم صدوكم عن المسجد الحرام على ألا تجاوزوا حدَّ الإذن في الانتقام، أي كوّنوا قائمين بنا، متجردين عن كل نصيب وحَظٍّ لكم.

قوله جلّ ذكره: { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ }.

البِرُّ فِعْلُ ما أُمِرْتَ به، والتقوى تَرْكُ ما زُجِرتَ عنه.

ويقال البِرُّ إيثار حقه - سبحانه، والتقوى تركُ حظِّك.

ويقال البِرُّ موافقة الشرع، والتقوى مخالفةُ النَّفْس.

ويقال المعاونة على البِرِّ بحُسْنِ النصيحة وجميل الإشارة للمؤمنين، والمعاونة على التقوى بالقبض على أيدي الخطائين بما يقتضيه الحال من جميل الوعظ وبليغ الزجر، وتمام المنع على ما يقتضيه شرط العلم.

والمعاونة على الإثم والعدوان بأن تعمل شيئاً مما يقتدى بك لا يرضاه الدِّين، فيكون قولُك الذي تفعله ويقتدى بك (فيه) سُنَّةً تظهرها و (عليك) نبُوُّ وِزْرِها. وكذلك المعاونة على البر والتقوى أي الاتصاف بجميل الخِصال على الوجه الذي يُقْتدَى بكل فيه.

قوله جلّ ذكره: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }.

العقوبة ما تعقب الجُرْم بما يسوء صاحبه. وأشد العقوبة حجاب المُعَاقَبِ عن شهود المُعَاقِب؛ فإنَّ تَجرُّعَ كاساتِ البلاء بشهود المُبْلِي أحلى من العسل والشهد.