الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ } * { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ }

قوله جلّ ذكره: { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ }.

كان عالماً بأنه: { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } فأمره بالثبات عليها؛ قال صلى الله عليه وسلم: " أنا أعلمكم بالله، وأخشاكم له ".

ويقال: كيف قيل له: {... فَٱعْلَمْ } ولم يقل: عَلِمْتُ، وإبراهيم قيل له:أَسْلِمْ } [البقرة: 131] فقال: " سلمت... "؟ فيُجاب بأن إبراهيمَ لمَّا قال " اسلمت " ابْتُلِيَ، ونبيَّنا صلى الله عليه وسلم لم يقل: علمت فعُوفِيَ.

وإبراهيم عليه السلام أتى بَعْدَه شَرْع كَشَفَ سِرَّه، ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم لم يأتِ بعدَه شرعٌ. ويقال: نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أخبر الحقُّ عنه بقوله:ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ... } [البقرة: 285] والإيمان هو العلم - وإخبارُ الحقِّ سبحانه عنه أَتَمُّ من إخباره بنفسه عن نفسه: " عَلِمْتُ ".

ويقال: فرقٌ بين موسى عليه السلام لمَّا احتاج إلى زيادةِ العلم فأُحيلَ على الخضر، ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم قال له:وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } [طه: 114]... فكم بين مَنْ أُحيلَ في استزادة العلم على عَبْدٍ وبين مَنْ أُمِرَ باستزادة العلم من الحق!!.

ويقال لمَّا قال له: { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } كان يأمره بالانقطاع إليه عن الخَلْق، ثم بالانقطاع منه - أي من الرسول - إليه... أي إلى الحق سبحانه. والعبدُ إذا قال هذه الكلمةَ على سبيلِ العادةِ والغفلةِ عن الحقيقة - أي كان بصفة النسيان - فليس لقوله كثيرُ قيمةٍ؛ كأن تُقال عند التعجب من شيء... فليس لهذا قَدْرٌ. أمَّا إذا قالها مخلصاً فيها، ذاكراً لمعناها، متحققاً بحقيقتها... فإنْ كان بنفسه فهو في وطن التفرقة... وعندهم هذا من الشِّرْكِ الخفِّي، وإن قالها بحقٍّ فهو الإخلاص. فالعبد يعلم أولاً ربَّه بدليل وحُجَّةٍ؛ فعِلْمُه بنفسه كَسْبيٌّ... وهو أصل الأصول، وعليه ينبني كل علم استدلالي! ثم تزداد قوةُ علمه بزيادة البيان وزيادة الحجج، ويتناقص علمُه بنفسه لغَلَبَاتِ ذِكْرِ اللَّهِ على القلب. فإذا انتهى إلى حال المشاهدة، واستيلاء سلطان الحقيقة عليه صار عِلْمُه في تلك الحالة ضرورياً. ويقلُّ إحساسُه بنفسه حتى يصير علمه بنفسه كالاستدلاليّ وكأنه غافلٌ عن نفسه أو ناسٍ لنفسه.

ويقال: الذي على البحر يغلب عليه ما يأخذه من رؤية البحر، فإذا ركب البحر قويت هذه الحالة، حتى إذا غرق في البحر فلا إحساسَ له بشيء سوى ما هو مستغرقٌ فيه ومستهلك.

{ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ }: أي إذا عَلِمْتَ أنك علمت فاستغفِرْ لذنبك من هذا؛ فإن الحقَّ - على جلال قدْرِه - لا يعلمه غيره.