الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً وَٱلسَّمَآءَ بِنَـآءً وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُـمْ فَتَـبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله جلّ ذكره: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً وَٱلسَّمَآءَ بِنَـآءً وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ }.

{ وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ }: خَلقَ العرشَ والكرسيّ والسماوات والأرضين وجميعَ المخلوقاتِ ولم يقُلْ هذا الخطاب، وإنما قال لنا: { وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ } وليس الحَسَنُ ما يستحسنه الناسُ بل الحَسنُ ما يستحسنه الحبيبُ:
ما حطك الواشون عن رتبةٍ   عندي ولا ضَرَّك مُعتابُ
كانهم أَثْنَوْا - ولم يعلموا -   عليكَ عندي بالذي عابوا
لم يَقُلْ للشموس في علائها، ولا للأقمار في ضيائها: { وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ }.

ولما انتهى إلينا قال ذلك، وقال:لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [التين: 4].

ويقال إن الواشين قَبَّحوا صورتكم عندنا، بل الملائكةُ كتبوا في صحائفكم قبيحَ ما ارتكبتم.. ومولاكم أحسن صوركم، بأن محا من ديوانكم الزّلاّت، وأثبت بدلاً منها الحسنات، قال تعالى:يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } [الرعد: 39]، وقال:فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } [الفرقان: 70].

قوله جل ذكره: { وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ }.

ليس الطيبُ ما تستطيبه النفْسُ إنما الطيب ما يستطيبُه القلبُ، فالخبزُ القفار أطيب للفقير الشاكر من الحلواء للغنيِّ المتَسَخِّط.

ورِزْقُ النفوسِ الطعامُ والشرابُ، ورزقُ القلوبِ لذاذات الطاعات.