الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ }

مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [النساء: 1] يعني آدم وحواء.

{ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ } أي خلق لكم، { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } فمن الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، ومن الضأن اثنين، ومن المواشي اثنين.

{ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ }: أي يصورِّكم، ويُرَكِّب أحوالكم.

{ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ }: ظلمة البطن، وظلمة الرَّحِم، وظلمة المشيمة. ذَكَّرَهم نسبتهم لئلا يُعْجَبُوا بأحوالهم.

ويقال بَيَّنَ آثار أفعاله الحكيمة في كيفية خِلْقَتِك - من قطرتين - أمشاجاً متشاكلةَ الأجزاء، مختلفة الصُّوَرِ في الأعضاء، سَخَّرَ بعضَها مَحَالَّ للصفات الحميدة كالعلم والقدرة والحياة... وغير ذلك من أحوال القلوب، وسَخَّرَ بعضها مَحَالَّ للحواش كالسمع والبصر والشَّمِّ وغيرها.

ويقال هذه كلها نِعَمٌ أنعم اللهُ بها علينا فَذَكَّرَنا بها - والنفوسُ مجبولةٌ، وكذلك القلوبُ على حُبِّ مَنْ أحسن إليها - استجلاباً لمحبتنا له.

{ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ... } أي إن الذي أحسن إليكم بجميع هذه الوجوه هو ربُّكم. أي: أنا خلقتكم وأنا رزقتكم وأنا صَوَّرتُكم فأحسنت صُورَرَكم، وأنا الذين أسبَغْتُ عليكم إنعامي، وخصصتكم بجميل إكرامي، وأغرقتكم في بحار أفضالي، وعرفتكم استحقاق جمالي وجلالي، وهديتكم إلى توحيدي، وألزمتكم رعايةَ حدودي... فما لكم لا تَنْقَطِعون بالكلية إليَّ؟ ولا ترجون ما وَعَدْتُكم لديَّ؟ وما لكم في الوقت بقلوبكم لا تنظرون إليَّ؟