الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ }

اختلف الناسُ في هذه الفتنة؛ ومنها أنه كانت له مائة امرأة فقال: " لأَطوفَنَّ على هؤلاء فيولد من كل واحدةٍ منهن غلام يقاتل في سبيل الله " ولم يَقُلْ إن شاء الله، ولم تَحْمِلْ إلا امرأةٌ واحدةٌ جاءت بشق مولود، فألقته على كرسيِّه، فاستغفر ربه من تَرْك الاستنشاء، وكان ذلك ترك ما هو الأَوْلَى.

وقيل كان له ابن، وخافت الشياطين أن يبقى بعد موت أبيه فيرثه، فَهَمُّوا بقَتْلِه، فاستودعه الريح في الهواء لئلا تصل إليه الشياطين، فمات الولد، وألقته الريح على كرسيه ميتاً. فالفتنة كانت في خوفه من الشياطين وتسليمه إلى الهواء، وكان الأوْلَى به التوكل وتَرْكَ الاستعانة بالريح.

وقيل في التفاسير: إنه تزوج بامرأة كانت زوجة مَلِكٍ قهره سليمان، وسَبَاها، فقالت له: إن أَذِنْتُ لي أَنْ اتَّخِذَ تمثالاً على صورةٍ لأبي لأتسلَّى بنظري إليه؟ فأَذِنَ لها، فكانت (تعظمه وتسجد له مع جواريها أربعين يوماً)، وكانت تعبده سِرّاً، فعوقب عليه.

وقيل كان سبب بلائه أن امرأة كانت مِنْ أَحَبِّ نسائه إليه، وكان إذا أراد دخول الخلاء نَزَعَ خاتمه ودَفَعَه إليها، وهي على باب الخلاء، فإذا خَرَجَ استردَّه. وجاء يوماً شيطانٌ يُقَال له " صخر " على صورة سليمان وقال لامرأته: ادفعي إليَّ الخاتم فدفعته، ولبسه، وقعد على كرسيه، يُمَشِّي أمورَه - إلا التصرفَ في نسائه - فقد منعه اللَّهُ عن ذلك. فلمَّا خرج سليمانُ طَالَبَ المرأة بالخاتم، فقالت: الساعةَ دَفَعْتُه إليك. فظَنَّ أنه فُتِنَ، وكان إذا أخبر الناسَ أنه سليمان لا يُصَدِّقُونه، فخرج (هارباً إلى ساحل البحر)، وأصابته شدائد، وحمل سَمَكَ الصيادين بأجرةٍ حتى يجدَ قُوتاً.

ولما اتهم (بنو إسرائيل) الشيطانَ (واستنكروا حُكْمَه) نشروا التوراة بين يديه ففرَّ ورمى بالخاتم في البحر، وطار في الهواء. ولمَّا أَذِنَ اللَّهُ رَدَّ مُلْكَ سليمان إليه، ابتلعت سمكةٌ خاتمه، ووقعت في حبال الصيادين، ودفعوها إلى سليمان في أجرته، فلمَّا شقَّ بَطْنَهَا ورأى خاتَمه لبسه، وسَجَدَ له الملاحون، وعاد إلى سرير مُلْكَه.