الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } * { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

" داود " اسم أعجمي، وقيل سمي داود لأنه داوى جَرْحه، وَرَدَ في القصة أنه قال في إحدى مناجاته: يا رب، إني أرى في التوارة ما أعطيتَ لأوليائك وأَنبيائك من الرتب فأعطنيها فقال: إني ابتليتهم فصبروا، فقال: إني أصبر على بلائك، فأَعْطني ما أعطيتهم، فأبلاه، فوقف، فأعطاه ما أعطاهم.

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً }: تكلموا في هذا الفضل؛ فمنهم مَنْ أراد ما ذكره بعده وهو قوله للطير: { أَوِّبِي مَعَهُ }: وكذلك الجبال، وكان في ذلك تنفيس في وقت حُزْنِه وبكائه. وقيل ذلك الفضلُ رجوعُه إلى الله - في حال ما وقع له - بالتنصل والاعتذار. ويقال هو شهودُه موضِعَ ضرورته وأنه لا يُصْلِحُ أمرَه غيرُه. ويقال طيب صوته عند قراءة الزبور حَتى كان ليرْغبُ في متَابعته مَنْ يسمع إليه. ويقال حلاوةُ صوته في المناجاة. ويقال حُسنُ خُلقه مع أمته الذين اتبعوه، ويقال توفيقه للحكم بين أمته بالعدل...

قوله: { يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ } أمرَ الجبالَ والطيرَ بمجاوبته حتى خرَجَ إلى الجبال والصحارى ينوح على نفسهِ.

ويقال أوحى الله له: يا داود، كانت تلك الزَّلَّةُ مباركةً عليك! فقال. يا رب، وكيف؟ فقال: كنتَ تجيء قبلها كما يجيء المطيعون والآن تجيء كما يجيء أهل الذنوب!

يا داود، إن أنينَ المذْنبين أحبُّ إليّ من صُراخ العابدين!

ويقال، كان داود يقول. اللهمّ لا تَغفرْ للخاطئين، غيرةً منه وصلابةً في الدين... فلما وقع له ما وقع كان يقول. اللهم اغفر للمذنبين، فعسى أن تغفرَ لداود فيما بينهم.

ويقال لمَّا تاب الله عليه، واجتمع الإنسُ والجنُّ والطير بمجلسه، وَرَفع صوتَه، وأداره في حَنَكِه على حسب ما كان من عادته تفرّقت الطيور وقَالوا. الصوتُ صوتُ داود والحال ليست تلْك! فأوحَى اللَّهُ إليه هذه وَحْشةُ الزّلة، وتلك كانت أُنسَ الطاعة.. فكان داودُ يبكي وينوح ويصيح والطير والجبالُ معه.

وَيقال ليس كلُّ مَنْ صاح وراءه معنى، فالمعنى كان مع داود لا مع الجبال والطير...

{ أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً }. ألان له الحديدَ، وجعل ذلك معجزةً له، وجعل فيه توسعةَ رزقه، ليجدَ في ذلك مكسباً، لِيَقْطَعَ طَمَعَه عن أُمته في ارتفاقه بهم ليباركَ لهم في اتِّباعِه.