الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ }

قوله جلّ ذكره: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً }.

وَدَّ أهل الطاعات أَنْ لو استكثروا منها، ووَدَّ أهل المخالفات أَنْ لو كبحوا لجامهم عن الركض في ميادينهم، قال قائلهم:
ولو إنني أُعْطِيتُ من دهري المُنَى   وما كلُّ مَنْ يُعْطَى المنى بِمُسَدَّدِ
لَقُلْتَ لأيامٍ مَضَيْن: ألا ارجعي   وقلتُ لأيام أتيْن ألا ابعدي
قوله جلّ ذكره: { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ }.

الإشارة من قوله: { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } للعارفين، ومن قوله { وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } للمستأنفين، فهؤلاء أصحاب العنف والعنوة، وهؤلاء أصحاب التخفيف والسهولة.

ويقال لمَّا قال: { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } اقتضى أسماع هذا الخطاب تحويلهم فقال مقروناً به { وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } لتحقيق تأميلهم، وكذلك سُنَّتُه يطمعهم في عين ما يروعهم.

ويقال أفناهم بقوله { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } ثم أحياهم وأبقاهم بقوله { وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ }.