قوله جلّ ذكره: { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }. من حقائق الإيمان الموالاةُ في الله والمعاداة في الله. وأوْلى مَنْ تسومه الهجرانَ والإعراضَ عن الكفار - نَفْسُك؛ فإنها مجبولةٌ على المجوسية حيث تقول: لي ومني وبي، وقال الله تعالى:{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ ٱلْكُفَّارِ } [التوبة: 123]. وإن الإيمان في هذه الطريقة عزيز، ومن لا إيمان له بهذه الطريقة من العوام - وإن كانوا قد بلغوا من الزهد والجهد مبلغاً عظيماً - فليسوا بأهل لموالاتك، والشكل بالشكل أليق. قوله جلّ ذكره: { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ }. صحبة الحق سبحانه وقربته لا تكون مقرونة بصحبة الأضداد وقربتهم - ألبتة. { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ }: هذا خطاب للخواص من أهل المعرفة، فأمَّا الذين نزلت رُتْبَتُهم عن هذا فقال لهم:{ وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ } [آل عمران: 131] وقال:{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ.. } [البقرة: 281]. إلى غير ذلك من الآيات. ويقال: { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } أن يكون عندكم أنكم وصلتم؛ فإن خفايا المكر تعتري الأكابر، قال قائلهم:
وأمِنْتُه فأتاح لي من مأمني
مكراً، كذا مَنْ يأمن الأحبابا
ويقال: { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } لأن يجري في وهم أحد أنه يصل إليه مخلوق، أو يطأ بساطَ العِزِّ قَدَمُ همة بشر، جلَّتْ الأحدية وعزَّت! وإنَّ من ظن أنه أقربهم إليه ففي الحقيقة أنه أبعدهم عنه.