الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ }

قوله جلّ ذكره: { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }.

من حقائق الإيمان الموالاةُ في الله والمعاداة في الله.

وأوْلى مَنْ تسومه الهجرانَ والإعراضَ عن الكفار - نَفْسُك؛ فإنها مجبولةٌ على المجوسية حيث تقول: لي ومني وبي، وقال الله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ ٱلْكُفَّارِ } [التوبة: 123].

وإن الإيمان في هذه الطريقة عزيز، ومن لا إيمان له بهذه الطريقة من العوام - وإن كانوا قد بلغوا من الزهد والجهد مبلغاً عظيماً - فليسوا بأهل لموالاتك، والشكل بالشكل أليق.

قوله جلّ ذكره: { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ }.

صحبة الحق سبحانه وقربته لا تكون مقرونة بصحبة الأضداد وقربتهم - ألبتة.

{ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ }: هذا خطاب للخواص من أهل المعرفة، فأمَّا الذين نزلت رُتْبَتُهم عن هذا فقال لهم:وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ } [آل عمران: 131] وقال:وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ.. } [البقرة: 281]. إلى غير ذلك من الآيات.

ويقال: { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } أن يكون عندكم أنكم وصلتم؛ فإن خفايا المكر تعتري الأكابر، قال قائلهم:
وأمِنْتُه فأتاح لي من مأمني   مكراً، كذا مَنْ يأمن الأحبابا
ويقال: { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } لأن يجري في وهم أحد أنه يصل إليه مخلوق، أو يطأ بساطَ العِزِّ قَدَمُ همة بشر، جلَّتْ الأحدية وعزَّت!

وإنَّ من ظن أنه أقربهم إليه ففي الحقيقة أنه أبعدهم عنه.