الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْمُنْفِقِينَ وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ }

الصبرُ حبسُ النَّفْس، وذلك على ثلاث مراتب:

صبر على ما أُمرَ به العبد، وصبر عما نُهي عنه وصبر هو الوقوف تحت جريان حكمه على ما يريد؛ إمَّا في فوات محبوبك أو هجومَ ما لا تستطيعه.

فإذا ترقيتَ عن هذه الصفة - بألا تصيبك مشقةٌ أو تنال راحةً - فذلك رضاً لا صبر ويقال الصابرين على أمر الله، والصادقين، فيما عاهدوا الله.

و { وَٱلْقَانِتِينَ } ، بنفوسهم بالاستقامة في محبة الله.

و { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ } عن جميع ما فعلوه لرؤية تقصيرهم في الله.

ويقال: { ٱلصَّابِرِينَ } بقلوبهم و { وَٱلصَّادِقِينَ } بأرواحهم و { وَٱلْقَانِتِينَ } بنفوسهم، و { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ } بألسنتهم.

ويقال " الصابرين " على صدق القصود " الصادقين " في العهود " القانتين " بحفظ الحدود و " المستغفرين " عن أعمالهم وأحوالهم عند استيلاء سلطان التوحيد.

ويقال " الصابرين " الذين صبروا على الطلب ولم يتعللوا بالهرب ولم يحتشموا من التعب، وهجروا كل راحة وطلب. وصبروا على البلوى، ورفضوا الشكوى، حتى وصلوا إلى المولى، ولم يقطعهم شيء من الدنيا والعقبى.

و " الصادقين " الذين صدقوا في الطلب فقصدوا، ثم صدقوا حتى وردوا، ثم صدقوا حتى شهدوا، ثم صدقوا حتى وجدوا، ثم صدقوا حتى فقدوا.. فترتيبهم قصود ثم ورود ثم شهود ثم وجود ثم خمود.

و " القانتين " الذين لازموا الباب، وداوموا على تجرّع الاكتئاب، وتركوا المحاب، ورفضوا الأصحاب إلى أن تحققوا بالاقتراب.

و { وَٱلْمُنْفِقِينَ } الذين جادوا بنفوسهم من حيث الأعمال، (ثم جادوا بميسورهم من الأموال)، ثم جادوا بقلوبهم بصدق الأحوال، ثم جادوا بترك كل حظٍ لهم في العاجل والآجل، استهلاكاً عند القرب والوصال بما لقوا من الاصطلام والاستئصال.

و { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ } عن جميع ذلك إذا رجعوا إلى الصحو عند الأسحار يعني ظهور الإسفار، وهو فجر القلوب لا فجرَّ يظهر في الأقطار.