الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ } * { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ } * { قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } * { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ } * { أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } * { قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ }

قوله جل ذكره: { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ }.

عاتب إبراهيمُ أباه وقومَه، وطالَبَهُم بالحجة على ما عابَهم به وقال لِمَ تعبدون ما لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ؛ ولا ينفع ولا يَضُرُّ، ولا يُحِسُّ ولا يَشْعُر؟ فلم يرجعوا في الجواب إلا إلى تقليدهم أسلافَهم، وقالوا:

على هذه الجملة وَجَدْنا أسلافَنَا. فنطق إبراهيمُ - عليه السلام - بعد إقامة الحجة عليهم والإخبار عن قبيح صنيعهم بمَدْح مولاه والإغراق في وصفه، وقال:

{ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ }.

ذَكَرَهم بأقلِّ عبارة فلم يقل: فإنهم أعداءٌ لي، بل وَصَفَهم بالمصدر الذي يصلح أن يوصَفَ به الواحد والجماعة فقال: { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ }.

ثم قال: { إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } ، وهذا استثناء منقطع، وكأنه يضرب بلطفٍ عن ذِكْرِهم صفحاً حتى يتوصَّلَ إلى ذكر الله، ثم أخذ في شرح وصفه كأنه لا يكاد يسكت، إذ مضى يقول: والذي... والذي... والذي..، ومن أمارات المحبة كَثْرَةُ ذِكْرِ محبوبك، والإعراضُ عن ذكرِ غيرِه، فتَنَزُّهُ المحبين بتقلُّبِهم في رياض ذِكْرِ محبوبهم، والزهَّادُ يعددون أورادهم، وأَربابُ الحوائج يعددون مآربَهم، فيطنبون في دعائهم، والمحبون يُسْهِبونَ في الثناء على محبوبهم.