الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }

{ يَغُضُّواْ }: من أبصار الظواهر عن المُحَرَّمات، ومن أبصار القلوب عن الفِكَرِ الرَّدِيّة، ومن تصوُّرِ الغائبات عن المعاينة، ولقد قالوا: إنَّ العينَ سببُ الحَيْن، وفي معناه أنشدوا:
وأنتَ إذا أرسلتَ طَرْفَك رائداً   لقلبِك - يوماً - أتْعَبَتْكَ المناظرُ
وقالوا: مَنْ أرسل طَرْفَه اقتضى حَتْفَه.

وإن النظرَ إلى الأشياء بالبَصَرِ يوجِبُ تَفْرِقَةَ القلوب.

ويقال إن العدوَّ إبليسَ يقول: قومي القديمُ وسهمي الذي لا يخطىء النظرُ. وأرباب المجاهدات إذا أرادوا صَوْنَ قلوبهم عن الخواطر الردية لم ينظروا إلى المحَسَّات - وهذا أصلٌ كبيرٌ لهم في المجاهدة في أحوال الرياضة.

ويقال قَرَنَ اللَّهُ النهي عن النظر إلى المحارم بذكر حفظ الفَرْجِ فقال: { وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ } تنبيهاً على عِظَمِ خَطَرِ النظر؛ فإنه يدعو إلى الإقدام على الفعل.

ويقال قومٌ لا ينظرون إلى الدنيا وهم الزُّهَّاد، وقومٌ لا ينظرون إلى الكون وهم أهل العرفان، وقومٌ هم أهل الحفاظ والهيبة كما لا ينظرون بقلوبهم إلى الأغيار لا يرون نفوسهم أهلاً للشهود، ثم الحق - سبحانه - يكاشفهم من غير اختيارٍ منهم أو تعرُّضٍ أو تكلف.