الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ أُوْلَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }

قوله جل ذكره: { ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ }.

{ ٱلْخَبِيثَاتُ }: من الأعمال وهي المحظورات { لِلْخَبِيثِينَ }: من الرجال المُؤْثِرين لها طوعاً، والذين يجنحون إلى مثل تلك الأعمال فهم لها، كلٌّ مربوطٌ بما يليق به؛ فالفِعْلُ لائقٌ بفاعله، والفاعلُ بِفِعْلِهِ في الطهارة والقذارة، والنفاسة والخساسة، والشرفِ والسَّرَفِ.

ويقال: { ٱلْخَبِيثَاتُ }: من الأحوال؛ وهي الحظوظُ والمُنَى والشهواتُ لأصحابها والساعين لها. والسارعون لمثلها لها، غيرَ ممنوعٍ أحَدُهما من صاحبه، فالصفةُ للموصوف مُلازِمة، والموصوفُ لِصِفَتِهِ ملازِمٌ.

ويقال: { ٱلْخَبِيثَاتُ } من الأشياء للخبيثين من الأشخاص, وهم الراضون بالمنازل السحيقة... وإنَّ طعامَ الكلابِ الجِيَفُ.

ويقال: { ٱلْخَبِيثَاتُ }: من الأموال - وهي التي ليست بحلال - لمن بها رتبته، وعليها تعتكف هِمَّتُه؛ فالخبيثون من الرجال لا يميلون إلاَّ لمثل تلك الأموال، وتلك الأموال لا تساعد إلا مثلَ أولئك الرجال.

قوله جل ذكره: { وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ }.

{ وَٱلطَّيِّبَاتُ }: من الأعمال هي الطاعات والقُرَبُ للطيبين, والطيبون هم المُؤْثِرُون لها والساعون في تحصيلها.

{ وَٱلطَّيِّبَاتُ }: من الأحوال - وهي تحقيق المواصلات بما هو حقُّ الحق، مُجَرَّداً عن الحظوظ { لِلطَّيِّبِينَ } من الرجال، وهم الذين سَمَتْ هِمَّتهم عن كلِّ مُبْتَذَلٍ خسيس، ولهم نفوسٌ تسموا إلى المعالي، وهي التجمُّلُ بالتذلل لِمَنْ له العِزَّةُ.

ويقال الطيبات من الأموال - وهي التي لا نكيرَ للشرع عليها، ولا مِنَّةَ لمخلوقٍ فيها - للطيبين من الرجال، وهم الأحرار الذين تخلَّصوا من رِقِّ الكون.

ويقال { وَٱلطَّيِّبَاتُ } من الأشخاص وهن المُبَرَّاتُ من وهج الخطر، المتنقيات عن سفساف أخلاق البشرية، وعن التعريج في أوطان الشهوات - { لِلطَّيِّبِينَ } من الرجال الذين هم قائمون بحقِّ الحقِّ؛ لا يصحبون الخلْقَ إلا للتعفُّفِ، دون استجلابِ الشهوات.

{ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }.

لهم مغفرةٌ في المآل، ورزقٌ كريم في الحال وهو ما ينالون من غير استشرافٍ، ولا تطلب طمعٍ، ولا ذلِّ مِنِّةِ ولا تقديم تعَبٍ.