الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ }

أصلحنا له مكانَ البيت وأسكنَّاه منه؛ وأرشدناه له، وهديناه إليه، وأَعنَّاه عليه، وذلك أنه رفع البيت إلى السماء الرابعة في زمن طوفان نوح عليه السلام، ثم أمر إبراهيم عليه السلام ببناءِ البيت على أساسه القديم. قوله { أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً } ، أي لا تلاحظ البيتَ ولا بِناءَك له.

{ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ.... } يعني الكعبة - وذلك على لسان العلم، وعلى بيان الإشارة فَرِّغَ قَلبَكَ عن الأشياء كلِّها سوى ذِكْرِه - سبحانه.

وفي بعض الكتب: " أوحى الله إلى بعض الأنبياء فَرِّغ لي بيتاً أسكنه، فقال ذلك الرسول: إلهي...أي بيت تشغل؟ فأوحى الله إليه: ذلك قلب عبدي المؤمن ". والمراد منه ذكر الله تعالى؛ فالإشارة فيه أن يفَّرِّغ قلبه لذكر الله. وتفريغ القلب على أقسام: أوله من الغفلة ثم مِنْ توهُّم شيءٍ من الحدثان من غير الله.

ويقال قد تكون المطالبة على قوم بِصَوْنِ القلب عن ملاحظة العمل، وتكون المطالبة على الآخرين بحراسة القلب عن المساكنة إلى الأحوال.

ويقال: { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ }: أي قَلبكَ عن التطلع والاختيار؛ بألا يكون لك عند الله حظٌّ في الدنيا أو في الآخرة حتى تكون عبداً له بكمال قيامك بحقائق العبودية.

ويقال { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ }: أي بإخراج كل نصيب لك في الدنيا والآخرة من تطلعِ إكرام، أو تَطَلُّبِ إنعام، أو إرادة مقام، أو سبب من الاختيار والاستقبال.

ويقال طَهِّرْ قلبك للطائفين فيه من موارد الأحوال على ما يختاره الحق. { وَٱلْقَآئِمِينَ } وهي الأشياء المقيمة من مستودعات العرفان في القلب من الأمور المُغْنِيةِ عن البرهان، ويتطلع بما هو حقائق البيان التي هي كالعيان كما في الخبر: " كأنك تراه ".

{ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ }: هي أركان الأحوال المتوالية من الرغبة والرهبة، والرجاء والمخافة، والقبض والبسط، وفي معناه أنشدوا:
لست من جملة المحبين إن لم   أجعل القلبَ بيتَه والمقاما
وطوافي إجالةُ السِّرِّ فيه   وهو ركني إذا أردتُ استلاما
قوله: { لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً }: لا تلاحظ البيت ولا بِنَاءكَ للبيت.

ويقال هو شهود البيت دون الاستغراق في شهود ربِّ البيت.