الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ }

سخَّر الله - سبحانه - لداود الحديد وألانه في يده، فكان ينسج الدروع، قال تعالى:وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } [سبأ: 10] ليتحصن من السهام في الحروب، قال تعالى:وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ } [سبأ: 11] وأحْكِمْ الصنعة وأوثِقْ المسامير.. ولكن لما قصدته سِهامُ التقدير ما أصابت إلا حدقَتَه حين نظر إلى امرأة أوريا - من غير قصدٍ - فكان ما كان.

ولقد خلا ذلك اليوم، وأغلق على نَفْسه بابَ البيت، وأخذ يصلي ساعةً، ويقرأ التوراة مرةً، والزبور أخرى، حتى يمضي وينتهي ذلك اليوم بالسلامة. وكان قد أُوحِيَ إليه أنَّه يومُ فتنةٍ، فأَمَرَ الحُجَّابَ والبواب ألا يُؤْذَنَ عليه أَحَدٌ، فَوَقَعَ مِنْ كَوَّةِ البيتِ طيرٌ لم يَرَ مِثْلَه في الحُسْنِ، فهَمَّ أَنْ يأخذه، فتَبَاعَدَ ولم يَطِرْ كالمُطْمِعِ له في أخذه، فلم يَزَلْ يستأخر قليلاً قليلاً حتى طار من كوَّةِ البيت، فتبعه داودُ ينظر إليه من الكوة من ورائه، فوقع بصرهُ على امرأة أوريا، وكانت قد تجرَّدَتْ من ثيابها تغتسلُ في بستانٍ خَلْفَ البيتِ الذي به داود، فحَصَلَ في قلبه ما حصل، وأصاب سَهْمُ التقدير حَدَقَتَه، ولم تَنْفَعْهُ صَنْعَةُ اللَّبوسِ التي كان تعلَّمها لِتُحَصِّنَه من بأسه.