الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ }

الذكر استغراق الذاكر في شهود المذكور، ثم استهلاكه في وجود المذكور، حتى لا يبقى منك أثر يذكر، فيقال قد كان مرةً فلان.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } أي كونوا مستهلكين في وجودنا، نذكركم بعد فنائكم عنكم، قال الله تعالى:إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } [الذاريات: 16] كانوا وقتاً ولكنهم بانوا دائماً:
أناس حديث حسن   فكن حديثاً حسناً لمن وعنى
وطريقة أهل العبارة { فَٱذْكُرُونِيۤ } بالموافقات { أَذْكُرْكُمْ } بالكرامات، وطريقة أهل الإشارة { فَٱذْكُرُونِيۤ } بِتَرْكِ كل حظ { أَذْكُرْكُمْ } بأن أقيمكم بحقي بعد فنائكم عنكم.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } مكتفين بي عن عطائي وأفضالي { أَذْكُرْكُمْ } راضياً بكم دون أفعالكم.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } بذكري لكم ما تذكرون، ولولا سابِقُ ذكري لما كان لاحِقُ ذكركم.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } بقطع العلائق { أَذْكُرْكُمْ } بنعوت الحقائق.

ويقال اذكرني لكل مَنْ لَقِيتَه أذكرك لمن خاطَبتُه، " فمن ذكرني في مَلأٍ ذكرته في ملأ خيرٍ منهم ".

ويقال { وَٱشْكُرُواْ لِي } على عظيم المِنَّةِ عليكم بأن قُلْتُ: { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ }.

ويقال الشكر من قبيل الذكر، وقوله: { وَلاَ تَكْفُرُونِ } النهي عن الكفران أمرٌ بالشكر، والشكر ذكر، فكرر عليك الأمر بالذكر، والثلاث أول حدِّ الكثرة، والأمر بالذكر الكثير أمر بالمحبة لأنَّ في الخبر: " من أحب شيئاً أكثر ذكره " فهذا - في الحقيقة - أمرٌ بالمحبة أي أحْبِبْني أحبك؛ { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } أي أحبوني أحببكم.

ويقال: { فَٱذْكُرُونِيۤ } بالتذلل { أَذْكُرْكُمْ } بالتفضُّل.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } بالانكسار { أَذْكُرْكُمْ } بالمبار.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } باللسان { أَذْكُرْكُمْ } بالجِنان.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } بقلوبكم { أَذْكُرْكُمْ } بتحقيق مطلوبكم.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } على الباب من حيث الخدمة { أَذْكُرْكُمْ } بالإيجاب على بساط القربة بإكمال النعمة.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } بتصفية السِّر { أَذْكُرْكُمْ } بتوفية البِّر.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } بالجهد والعناء { أَذْكُرْكُمْ } بالجود والعطاء.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } بوصف السلامة { أَذْكُرْكُمْ } يومَ القيامة يومَ لا تنفع الندامة.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } بالرهبة { أَذْكُرْكُمْ } بتحقيق الرغبة.