الذكر استغراق الذاكر في شهود المذكور، ثم استهلاكه في وجود المذكور، حتى لا يبقى منك أثر يذكر، فيقال قد كان مرةً فلان. { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } أي كونوا مستهلكين في وجودنا، نذكركم بعد فنائكم عنكم، قال الله تعالى:{ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } [الذاريات: 16] كانوا وقتاً ولكنهم بانوا دائماً:
أناس حديث حسن
فكن حديثاً حسناً لمن وعنى
وطريقة أهل العبارة { فَٱذْكُرُونِيۤ } بالموافقات { أَذْكُرْكُمْ } بالكرامات، وطريقة أهل الإشارة { فَٱذْكُرُونِيۤ } بِتَرْكِ كل حظ { أَذْكُرْكُمْ } بأن أقيمكم بحقي بعد فنائكم عنكم. { فَٱذْكُرُونِيۤ } مكتفين بي عن عطائي وأفضالي { أَذْكُرْكُمْ } راضياً بكم دون أفعالكم. { فَٱذْكُرُونِيۤ } بذكري لكم ما تذكرون، ولولا سابِقُ ذكري لما كان لاحِقُ ذكركم. { فَٱذْكُرُونِيۤ } بقطع العلائق { أَذْكُرْكُمْ } بنعوت الحقائق. ويقال اذكرني لكل مَنْ لَقِيتَه أذكرك لمن خاطَبتُه، " فمن ذكرني في مَلأٍ ذكرته في ملأ خيرٍ منهم ". ويقال { وَٱشْكُرُواْ لِي } على عظيم المِنَّةِ عليكم بأن قُلْتُ: { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ }. ويقال الشكر من قبيل الذكر، وقوله: { وَلاَ تَكْفُرُونِ } النهي عن الكفران أمرٌ بالشكر، والشكر ذكر، فكرر عليك الأمر بالذكر، والثلاث أول حدِّ الكثرة، والأمر بالذكر الكثير أمر بالمحبة لأنَّ في الخبر: " من أحب شيئاً أكثر ذكره " فهذا - في الحقيقة - أمرٌ بالمحبة أي أحْبِبْني أحبك؛ { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } أي أحبوني أحببكم. ويقال: { فَٱذْكُرُونِيۤ } بالتذلل { أَذْكُرْكُمْ } بالتفضُّل. { فَٱذْكُرُونِيۤ } بالانكسار { أَذْكُرْكُمْ } بالمبار. { فَٱذْكُرُونِيۤ } باللسان { أَذْكُرْكُمْ } بالجِنان. { فَٱذْكُرُونِيۤ } بقلوبكم { أَذْكُرْكُمْ } بتحقيق مطلوبكم. { فَٱذْكُرُونِيۤ } على الباب من حيث الخدمة { أَذْكُرْكُمْ } بالإيجاب على بساط القربة بإكمال النعمة. { فَٱذْكُرُونِيۤ } بتصفية السِّر { أَذْكُرْكُمْ } بتوفية البِّر. { فَٱذْكُرُونِيۤ } بالجهد والعناء { أَذْكُرْكُمْ } بالجود والعطاء. { فَٱذْكُرُونِيۤ } بوصف السلامة { أَذْكُرْكُمْ } يومَ القيامة يومَ لا تنفع الندامة. { فَٱذْكُرُونِيۤ } بالرهبة { أَذْكُرْكُمْ } بتحقيق الرغبة.