الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ }

هذه الحروف المقطعة في أوائل السورة من المتشابِه الذي لا يعلم تأويله إلا الله - عند قوم، ويقولون لكل كتاب سر، وسر الله في القرآن هذه الحروف المقطعة. وعند قوم إنها مفاتح أسمائه، فالألف من اسم (الله)، واللام يدل على اسمه " اللطيف " ، والميم يدل على اسمه " المجيد " و " الملك ".

وقيل أقسم الله بهذه الحروف لشرفها لأنها بسائط أسمائه وخطابه.

وقيل إنها أسماء السور.

وقيل الألف تدل على اسم " الله " واللام تدل على اسم " جبريل " والميم تدل على اسم " محمد " صلى الله عليه وسلم، فهذا الكتاب نزل من الله على لسان جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم.

والألِف من بين سائر الحروف انفردت عن أشكالها بأنها لا تتصل بحرف في الخط وسائر الحروف يتصل بها إلا حروف يسيرة، فينتبه العبد عند تأمل هذه الصفة إلى احتياج الخلق بجملتهم إليه، واستغنائه عن الجميع.

ويقال يتذكر العبد المخلص مِنْ حالة الألف تَقَدُّسَ الحق سبحانه وتعالى عن التخصص بالمكان؛ فإن سائر الحروف لها محل من الحَلقْ أو الشفة أو اللسان إلى غيره من المدارج غير الألف فإنها هويته، لا تضاف إلى محل.

ويقال الإشارة منها إلى انفراد العبد لله سبحانه وتعالى فيكون كالألف لا يتصل بحرف، ولا يزول عن حالة الاستقامة والانتصاب بين يديه.

ويقال يطالب العبد في سره عند مخاطبته بالألف بانفراد القلب إلى الله تعالى، وعند مخاطبته باللام بلين جانبه في (مَراعاة) حقه، وعند سماع الميم بموافقة أمره فيما يكلفه.

ويقال اختص كل حرف بصيغة مخصوصة وانفردت الألف باستواء القامة، والتميز عن الاتصال بشيء من أضرابها من الحروف، فجعل لها صدر الكتاب إشارة إلى أن من تجرَّد عن الاتصال بالأمثال والأشغال حَظِي بالرتبة العليا، وفاز بالدرجة القصوى، وصلح للتخاطب بالحروف المنفردة التي هي غير مركبة، على سنة الأحباب في ستر الحال، وإخفاء الأمر على الأجنبي من القصة - قال شاعرهم:
قلت لها قفي قالت قاف   
لا تحسبي أَنَّا نسبنا لا يخاف   
ولم يقل وقفت ستراً على الرقيب ولم يقل لا أقف مراعاة لقلب الحبيب بل: " قالت قاف ".

ويقال تكثر العبارات للعموم والرموز والإشارات للخصوص، أَسْمَعَ موسى كلامَه في ألف موطن، وقال لنبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم: أَلِفْ... وقال عليه السلام: " أوتيتُ جوامْع الكلِم فاختُصِرَ لي الكلامُ اختصاراً " وقال بعضهم: قال لي مولاي: ما هذا الدنَف؟ قلت: تهواني؟ قال: لام ألف.