الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ }

وضعوا الكفران محل الشكر، فاستعملوا النعمة للكفر، بدلاً من استعمالها فيما كان ينبغي لها من الشكر. واستعمال النعمة في المعصية من هذه الجملة، فأعضاءُ العبد كلها نِعَمٌ من الله على العبد، فإذا استعمل العاصي بَدَنَه في الزَّلة بدلاً من أن يستعملها في الطاعة فقد بَدَلَّ النعمة كفراً، وكذلك إذا أودع الغفلَة قلبَه مكانَ المعرفة، والعلاقَة فيه مكان الانقطاع إليه، وعلَّقَ قلبه بالأغيار بَدَلَ الثقة به، ولَطَّخَ لسانَه بذكر المخلوقين ومَدْحِهِم بَدَلَ ذكرِ الله واشتغل بغير الله دون العناء في ذكره... كلُّ هذا تبديلُ نِعَمِ الله كفراً. وإذا كان العبدُ منقطعاً إلى الله، مكفياً من قِبَلِ الله... وَجَدَ في فراغه مع الله راحةً عن الخَلْق، ومن إقباله عليه - سبحانه - كفاية، فإذا رجع إلى أسباب التفرقة، ووقع في بحار الاشتغال ومعاملة الخلْق ومدحهم وذمهم فقد أحلَّ قومه دار البوار؛ على معنى إيقاعه قلبَه ونَفْسَه وجوارحَه في المذلة من الخَلْق، والمضرة في الحال، وشأنه كما قيل:
ولم أَرَ قَبْلي مَنْ يُفَارِقُ جَنَّةً   ويقرع بالتطفيل بابَ جهنمِ