الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ }

قوله جلّ ذكره: { وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ }.

ما دام البلاءُ مُقْبِلاً كان أمرُ يوسفَ وحديثُه - على يعقوب - مُشْكِلاً، فلما زالت المحنة بعثرت بكل وجهٍ حاله.

ويقال لم يكن يوسف بعيداً عن يعقوب حين ألقوه في الجُبِّ ولكن اشتبه عليه خَبَرُه وحالُه، فلما زال البلاءُ وَجَدَ ريحَه وبينهما مسافة ثمانين فرسخاً - من مصر إلى كنعان.

ويقال إنما انفرد يعقوبُ عليه السلام بوجدان ريح يوسف لانفرادِه بالأسف عند فقدان يوسف. وإنما يجد ريح يوسف مَنْ وَجَدَ على فراق يوسف؛ فلا يعرف ريحَ الأحبابِ إلا الأحبابُ، وأَمَّا على الأجانب فهذا حديثٌ مُشْكِل.. إذ أنَّى يكون للإنسان ريح!؟.

ويقال لفظ الريح ها هنا توسع، فيقال هبَّتْ رياحُ فلانٍ، ويقال إني لأَجِدُ ريح الفتنة.. وغير ذلك.

قوله جلّ ذكره: { لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ }.

تَفَرَّسَ فيهم أنهم يبسطون لسان الملامة فلم ينجع فيهم قولُه، فزادوا في الملامة فقالوا: -

{ قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ }.

قرنوا كلامهم بالشتم، ولم يحتشموا أباهم، ولم يُراعوا حقَّه في المخاطبة، فوصفوه بالضلال في المحبة.

ويقال إن يعقوب عليه السلام قد تعرَّف من الريح نسيمَ يوسف عليه السلام، وخبر يوسف كثير حتى جاء الإذن للرياح، وهذه سُنَّةُ الأحباب: مساءلة الديار ومخاطبة الأطلال وفي معناه أنشدوا:
وإنِّي لأستهدي الرياح نسيمكم   إذا هي أقبَلْت نحوكم بهُبُوب
واسألها حَمْلَ السلامِ إليكمُ   فإنْ هي يوماً بلَغَتْ فأَجِيبُوا