قوله جلّ ذكره: { قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ } اعترفوا بالفضل ليوسف - عليه السلام - حيث قالوا: لقد آثرك الله علينا، وأكَّدوا إقرارَهم بالقَسَم بقوله: { تَٱللَّهِ } وذلك بعد ما جحدوا فَضْلَه بقولهم: { لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } ، وهكذا من جحد فلأنه ما شهد، ومن شهد فما جحد. ويقال لمَّا اعترفوا بفضله وأقرُّوا بما اتصفوا به من جُرْمِهم بقولهم: { وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ } وجدوا التجاوزَ عنهم حين قال يوسف: { قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ }. أسرع يوسفُ في التجاوز عنهم، وَوَعَد يعقوبُ لهم بالاستغفار بقوله: { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ } لأنه كان أشدَّ حباً لهم فعاتبهم، وأما يوسف فلم يرهم أهلاً للعتاب فتجاوز عنهم على الوهلة، وفي معناه أنشدوا:
تركُ العتابِ إذا استحق أخ
مِنك العتابَ ذريعةُ الهَجْرِ
ويقال أصابهم - في الحال - مِنَ الخجلة مقام كلِّ عقوبة، ولهذا قيل: كفى للمقصِّر الحياءُ يوم اللقاء.