الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

في الابتداء حين جهلوه كانوا يقولون له في الخطاب: " يا أيها العزيز " فلمّا عرفوه قالوا: { أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ }؛ لأنه لمَّا ارتفعت الأجنبيةُ سقط التكلُّف في المخاطبة، وفي معناه أنشدوا:
إذا صَفَتْ المودَّةُ بين قومٍ   ودام ودادُهم قَبُحَ الثناءُ
ويقال إنَّ التفاصُلَ والتفارُقَ بين يوسف وإخوته سَبَقا التواصلَ بينه وبين يعقوب عليهما السلام؛ فالإخوةُ خَبَره عرفوه قبلَ أنْ عَرَفَه أبوه ليعلَم أن الحديث بلا شكٍ.

ويقال لم يتقدموا على أبيهم في استحقاق الخبر عن يوسف ومعرفته، بل إنهم - وإن عرفوه - فلم يلاحظوه بعين المحبة والخلة، وإنما كان غرضُهم حديثَ الميرة والطعام فقط، فقال: { أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي }: يعني إني لأَخٌ لِمِثْلِ هذا لمثلكم؛ ولذا قال: { أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي } ، ولم يقل وأنتم إخوتي، كأنَّه أشار إلى طرفٍ من العتاب، يعني ليس ما عاملتموني به فِعْلَ الإخوة.

ويقال هَوَّنَ عليهم حالَ بَدَاهَةِ الخجلة حيث قال { أَنَا يُوسُفُ } بقوله: { وَهَـٰذَا أَخِي } وكأنه شَغَلَهم بقوله: { وَهَـٰذَا أَخِي } كما قيل في قوله تعالى:وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } [طه: 17] إنه سبحانه شَغَلَ موسى عليه السلام باستماع:وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } [طه: 17] بمطالعة العصا في عين ما كوشِف به من قوله:إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ } [طه: 14].

ثم اعترف بوجدان الجزاء على الصبر في مقاساة الجهد والعناء فقال: { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَِصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ }.

وسمعتُ الأستاذ أبا علي الدقاق - رحمه الله - يقول لما قال يوسف: { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَِصْبِرْ } أحَالَ في استحقاق الأجر على ما عمل من الصبر... فأنطقهم الله حتى أجابوه بلسان التوحيد فقالوا: { تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا } يعني ليس بِصَبْرِك يا يوسفُ ولا بتقواك، وإنما هو بإيثار اللَّهِ إياك علينا؛ فبه تقدمت علينا بحمدك وتقواك. فقال يوسف - على جهة الانقياد للحقِّ -: { لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ } ، فأسقط عنهم اللوم، لأنه لمَّا لم يَرَ تقواه من نفسه حيث نبَّهوه عليه نَطَقَ عن التوحيد، وأخبر عن شهود التقدير.