الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

دعاهم إلى دار السلام، وفي الحقيقة دعاهم إلى ما يوجب لهم الوصول إلى دار السلام؛ وهو اعتناق أوامره والانتهاء عن زواجره. والدعاء من حيث التكليف، وتخصيص الهداية لأهلها من حيث التشريف.

ويقال الدعاء تكليف والهداية تعريف؛ فالتكليف على العموم والتعريف على الخصوص.

ويقال التكليف بحقِّ سلطانه، والتعريف بِحُكْمِ إحسانه.

ويقال الدعاء قوْلُه والهداية طَوْلُه؛ دَخَلَ الكلُّ تحت قوله، وانفرد الأولياءُ بتخصيص طَوْلِه. دار السلام دار الله لأن السلام اسم مِنْ أسمائه.

ويكون السلام بمعنى السلامة فهي دار السلامة أي أهلها سالمون فيها؛ سالمون من الحُرقَة وسالمون من الفُرقة؛ سَلِموا من الحرقة فحصلوا على لذة عطائه، وسَلِموا من الفُرْقَة فوصلوا إلى عزيز لقائه.

ويقال لا يصل إلى دار السلام إلا من سَلِمَتْ نَفْسُه عن السجود للِصَنَم، وَسلِمَ قلبُه عن الشِّرْكِ والظُلم.

ويقال تلك الدار درجات؛ والذي سَلِمَ قلبُه عن محبة الأغيار درجتُه أعلى من درجة مَنْ سَلِمَتْ نَفْسُه من الذنوب والأوضار.

ويقال قوم سلمت صدورُهم من الغِلّ والحسد والحقد؛ وسَلِمَ الخْلقُ منهم، فليس بينهم وبين أحدٍ محاسبة، وليس لهم على أحد شيء؛ " فالمسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمحسنُ من سَلِمَ الخْلقُ بأجمعهم من قلبه ".

{ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }: طريق المسلمين، فهذا للعوام بشرط علم اليقين، ثم طريق المؤمنين وهو طريق الخواص بشرط عين اليقين، ثم طريق المحسنين وهو طريق خاص الخاص بشرط حق اليقين؛ فهؤلاء بنور العقل أصحاب البرهان، وهؤلاء بكشف العلم أصحاب البيان، وهؤلاء بضياء المعرفة بالوصف كالعيان، وهم الذين قال صلى الله عليه وسلم فيهم: " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ".